وكان متيقظًا شهمًا، له عيون كثيرة تأتيه بأخبار البلاد القاصية، حتى صارت أخبار الأقاليم تنقل إليه. وكان شديد العناية بذلك، كثير البحث عن المشكلات، وافر العقل.
كان من أفراد الملوك لولا ظلمه، وكان سفاكًا للدماء، حتى أن جارية شغل قلبه بميله إليها، فأمر بتغريقها، وأخذ غلام من رجل بطيخًا غصبًا، فوسطه.
وكان يحب العلم والعلماء ويصلهم. ووجد له في تذكرة: إذا فرغنا من حل إقليدس تصدقت بعشرين ألف درهم، وإذا فرغنا من كتاب أبي علي النحوي تصدقت بخمسين ألف درهم، وإن ولد لي ابن تصدقت بعشرة آلاف، فإن كان من فلانة تصدقت بخمسين ألف درهم.
وكان قد طلب حساب دخله في السنة، فإذا هو ثلاثمائة ألف ألف وعشرين ألف ألف درهم، فقال: أريد أبلغ به إلى ثلاثمائة وستين ألف ألف، ليكون دخلنا كل يوم ألف ألف درهم.
قال ابن الجوزي (١): وفي رواية كان يرتفع له في العام اثنان وثلاثون ألف ألف دينار، وكان له كرمان، وفارس، وعمان، وخوزستان، والعراق، والموصل، وديار بكر، وحران، ومنبج. وكان ينافس في القيراط، وأقام مكوسًا ومظالم، نسأل الله العافية.
وكان صائب الفراسة، قيل: إن تاجرًا قدم بغداد للحج فأودع عند عطار عقد جوهر، فأنكره، فحار، ثم إنه أتى عضد الدولة، فقص عليه أمره، فقال: الزم الجلوس هذه الأيام عند العطار، ثم إن عضد الدولة مر في موكبه على العطار، فسلم على التاجر وبالغ في إكرامه، فتعجب الناس، فلما تعداه التفت العطار إلى التاجر، وقال: ما تخبرني متى أودعتني هذا العقد، وما صفته، لعلي أتذكر، قال: صفته كذا، فقام وفتش ثم نفض برنية فوقع العقد، وقال: كنت نسيته.
وقيل: إن قومًا من الأكراد قطاع طريق عجز عنهم، فاستدعى تاجرا، ودفع إليه بغلًا، عليه صندوقان فيهما حلواء مسمومة، ومتاع ودنانير، قال: فأخذوا البغل والصندوقين، فأكلوا الحلواء فهلكوا.