وتملَّك خلاط بعده أخوه الأشرف. ومات الظاهر قبله بسنتين، فلم يتهنَّ بالملك بعده. وكان كل واحد منهما ينتظر موت الآخر، فلم يصف له العيش لأمراض لزمته بعد طول الصحة، والخوف من الفرنج بعد طول الأمن. وخرجوا إلى عكا وتجمعوا على الغور، فنزل العادل قبالتهم على بيسان، وخفي عليه أن ينزل على عقبة فيق، وكانوا قد هدموا قلعة كوكب وكانت ظهرهم. ولم يقبل من الجواسيس ما أخبروه بما عزم عليه الفرنج من الغارة، فاغترّ بما عودته المقادير من طول السلامة، فغشيت الفرنج عسكره على غرة. وكان قد أوى إليهم خلقٌ من أهل البلاد يعتصمون به. فركب مُجدّاً ورماح الفرنج في أثره حتى وصل دمشق على شفا، وهمَّ بدخولها، فمنعه المعتمد وشجَّعه، وقال: المصلحة أن تقيم بظاهر دمشق. وأما الفرنج فاعتقدوا أن هزيمته مكيدة، فرجعوا من قريب دمشق بعدما عاثوا في البلاد قتلاً وأسراً، وعادوا إلى بلادهم وقصدوا دمياط في البحر فنازلوها.
وكان قد عرض له قبل ذلك ضعفٌ، ورعشة، وصار يعتريه ورم الأنثيين، فلما هزته الخيل على خلاف العادة، ودخله الرعب، لم يبق إلا مدة يسيرة، ومات بظاهر دمشق.
وكان مع حرصه يهين المال عند الشدائد غاية الإهانة، ويبذله. وشرع في بناء قلعة دمشق، فقسم أبرجتها على أمرائه وأولاده، وكان الحفارون يحفرون الخندق، ويقطعون الحجارة، فخرج من تحته خرزة بئر فيها ماء معين.
ومن نوادره أن عنتر العاقد بلغه أن شاهداً شهد على القاضي زكي الدين الطاهر بقضية مزوّرة فتكلم عنتر في الشاهد وجرحه، فبلغ العادل، فقال: من عادة عنتر الجرح. وتوضأ مرة، فقال: اللهم حاسبني حساباً يسيراً. فقال رجل ماجن له: يا مولانا إن الله قد يسَّر حسابك. قال: ويلك وكيف ذلك؟ قال: إذا حاسبك فقل له: المال كله في قلعة جعبر لم أفرط منه في قليل ولا كثير! وقد كانت خزائنه بالكرك ثم نقلها إلى قلعة جعبر وبها ولده الملك الحافظ، فسول له بعض أصحابه الطمع فيها، فأتاها الملك العادل ونقلها إلى قلعة دمشق، فحصلت في قبضة المعظَّم فلم ينازعه فيها إخوته. وقيل: إن المعظَّم هو الذي سول لأخيه الحافظ الطمع والعصيان، ففعل، ولم يفطن بأنها مكيدة لترجع