الضريّة مع سيدي أحمد قدس الله روحه، وقد غنّى ابن هديّة:
لو يسمعون كما سمعت حديثَها … خروا لعزّة ركعًا وسُجُودا
فقام سيدي وتواجد، وردد البيت، ولم يَزَلْ حتى كادت قلوب الفقراء تنفطر. وكان ذلك فِي بدايته بعد موت سيدي الشَّيْخ منصور. ولما كان فِي النهاية بقي سبع سِنين لَا يسمع الحادي وهو قريب منه حتى تُوُفي.
وعنه قَالَ: ذكر الشَّيْخ جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزي أن سبب وفاة سيدي أَحْمَد أبيات أنشِدت بين يديه، تواجَدَ عند سماعها تواجُدًا كان سبب مرضه الَّذِي مات فِيهِ. وكان المنشد لها الشيخ عبد الغني ابن نُقْطَة (١) حين زاره، وهي:
إذا جن ليلي هام قلبي بذِكركمْ … أنوحُ كما ناح الحمامُ المطوقُ
سلوا أم عَمْروٍ كيف بات أسيرها … تُفَكُّ الأسارى دونه وهو موثّق
فلا هو مقتول ففي القتل راحة … ولا هو ممنون عليه فيعتق
قال: وتوفي يوم الخميس ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين.
وعن يعقوب بن كراز قال: كان سيدي أحمد والفقراء في نهر وليد فقال: لا إله إلاّ الله، قد حان أوان هذا المجلس، فليعلم الحاضر الغائب أن أحمد يقول، وأنتم تسمعون: من خلا بامرأة أجنبية، فأنا منه بريء، وسيدي الشيخ منصور منه بريء، وسيدي المصطفى ﷺ منه بريء، وربنا سبحانه منه بريء، ومن خلا بأمرد فكذلك، ومن نكث البيعة فإنما ينكث على نفسه. ثم قام من مجلسه. وبعد شهر عبر إلى الله، ودفن في قبّة الشيخ يحيى النجار.
وحكى الشيخ محمد بن أبي بكر بن أبي طالب الصوفي أنه سمع جدّه عفيف الدين أبا طالب يقول: سمعت الشيخ عبد الرحمن شملة يقول: سمعت سيدي علي يقول: لما حضرت الوفاة سيدي أحمد قبلها بأيام قلت: أي سيدي، ما نقول بعدك، وأيش تورّثنا؟ فقال: أي علي، قل عنّي: إنه ما نام ليلةً إلاّ وكل الخلق أفضل منه، ولا حرد قط، ولا رأى لنفسه قيمةً قط. وأما ما أورثه فيا ولدي تشهد أنّ لي مالا حتى أورثكم؟! إنما أورثكم قلوب الخلق.
(١) هو والد المحدث الشهير معين الدين محمد بن عبد الغني ابن نقطة المتوفى سنة ٦٢٩ هـ.