للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال حجاج بن قتيبة بن مسلم: دخلت على المنصور تلك الأيام وقد جاءه فتق البصرة وفارس، وواسط والمدائن، وهو مطرق يتمثل:

ونصبت نفسي للرماح دريئة … إن الرئيس لمثل ذاك فعول

وما أظنه يقدر على رد السلام، للفتوق المحيطة به، ولمائة ألف سيف كامنة بالكوفة ينتظرون صيحة فيثبون، فوجدته صقراً أحوذياً (١) مشمراً، قد قام إلى ما نزل به من النوائب يمرسها ويعركها.

وعن عبد الله بن جعفر المديني قال: خرجنا مع إبراهيم إلى باخمرا فعسكرنا بها، فأتانا ليلة، فقال: انطلق بنا نطوف في عسكرنا، قال: فسمع أصوات طنابير (٢) وغناء، فرجع، ثم أتاني ليلة أخرى، فانطلقنا فسمعنا مثل ذلك فرجع وقال: ما أطمع في نصر عسكر فيه مثل هذا.

وعن داود بن جعفر بن سليمان قال: أحصى ديوان إبراهيم من أهل البصرة مائة ألف مقاتل.

وقال آخر: بل كان معه عشرة آلاف، وهذا أشبه.

وكان مع عيسى بن موسى خمسة عشر ألفاً، وعلى طلائعه حميد بن قحطبة في ثلاثة آلاف. وأما إبراهيم فأشاروا عليه أن يسلك غير الدرب، فيبغت الكوفة، فقال: بل أبيت عيسى.

وعن هريم قال: قلت لإبراهيم: إنك غير ظاهر على المنصور حتى تأتي الكوفة، فإن صارت لك بعد تحصنه بها، لم تقم له بعدها قائمة، وإلا فدعني أسير إليها فأدعو إليك سراً، ثم أجهر، فإنهم إن سمعوا داعياً أجابوه، وإن سمع المنصور هيعة بأرجاء الكوفة طار إلى حلوان، فقال (٣):


(١) في المطبوع من تاريخ الطبري ٧/ ٦٤١: "أحوزيًا" بالزاي، وهو من قلب عوام المصريين للذال المعجمة زايًا عند لفظها.
(٢) الطنابير: جمع طنبور، وهو ضرب من المعازف.
(٣) ظاهر ما هنا أن هذا القول لإبراهيم، والخبر من تاريخ الطبري ٧/ ٦٤٣، غير أن سياق الكلام فيه يدل على غير ذلك، قال هريم: "فأقبل (يعني إبراهيم) على بشير الرحال، فقال: ما ترى يا أبا محمد؟ قال (يعني بشيرًا): إنا لو وثقنا بالذي تصف لكان رأيًا، ولكنا لا نأمن أن تجيبك منهم طائفة فيرسل إليهم أبو جعفر خَيْلًا فيطأ البريء والنطف … فقلت لبشير: أخرجت حين خرجت لقتال أبي جعفر وأصحابه، =