للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الأستاذداريّة (١)، يقول: إنّ الماء الّذي يشربه الإمام النّاصر كانت تجيء به الدّواب من فوق بغداد بسبعة فراسخ، ويغلى سبعة غلوات، كلّ يوم غلوة، ثمّ يحبس في الأوعية سبعة أيّام، ثمّ يشرب منه، وبعد هذا ما مات حتّى سقي المرقّد ثلاث مرار وشقّ ذكره وأخرج منه الحصى.

وقال ابن الساعي: فأصبح الناس يوم الأحد - يعني يوم الثلاثين من رمضان - وقد أغلقت أبواب دار الخلافة، وتولّى غسله محيي الدّين ابن الجوزيّ، وصلّى عليه ولده الظاهر بأمر الله بعد أن بويع، بايعه أولاً أقاربه، ثم نائب الوزارة مؤيّد الدّين محمد القمي وولده فخر الدّين أحمد، والأستاذ دار عضد الدّولة أبو نصر ابن الضّحّاك، وقاضي القضاة محيي الدّين ابن فضلان الشافعيّ، والنقيب قوام الدّين أبو عليّ الموسويّ. ودفن بصحن الدّار، ثمّ نقل بعد شهرين إلى التّرب (٢)، ومشى الخلق بين يدي جنازته. وأمّا بيعة الظّاهر، فهي في سنة اثنتين (٣) في الحوادث.

وقال ابن الأثير (٤): بقي الناصر ثلاث سنين عاطلاً عن الحركة بالكلّية وقد ذهبت إحدى عينيه، وفي الآخر أصابه دوسنطاريا (٥) عشرين يوماً، ومات ولم يطلق في طول مرضه شيئاً ممّا كان أحدثه من الرسوم. وكان سيئ السّيرة خرب في أيّامه العراق، وتفرّق أهله في البلاد، وأخذ أموالهم وأملاكهم. قال: وكان يفعل الشيء وضدّه، جعل همّه في رمي البندق والطّيور المناسيب، وسراويلات الفتوّة.

ونقل الظّهير الكازرونيّ في تاريخه وأجازه لي (٦) أنّ الناصر في وسط خلافته همّ بترك الخلافة، والانقطاع إلى التّعبد. وكتب عنه ابن الضّحّاك


(١) تشبه عندنا رئاسة الديوان الملكي أو الجمهوري.
(٢) كانت تُرَبُ الخلفاء بالجانب الشرقي من بغداد، في منطقة الأعظمية اليوم عند ساحة عنتر مما يلي نهر دجلة.
(٣) يعني: وعشرين وست مئة.
(٤) الكامل ١٢/ ٤٤٠.
(٥) وهو المعروف الآن بالدزانتري.
(٦) الظاهر أن الذهبي نقل ذلك من تاريخه الكبير، وليس من "المختصر" الذي حققه الدكتور مصطفى جواد (بغداد ١٩٧٠) فما وجدناه فيه.