للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورد إليها شحنةً واستخرج على الرأس ديناراً، هذا سوى من دخل إليها عند هجوم العساكر من الفلاحين، وأما قلعتها فلجؤوا إليها وتحاشروا بها، فكانوا ثمانية آلاف رجل، غير الحريم والأولاد، فمات بها عالمٌ كثير في زحمة الباب، وأما الوزير والوالي وغيرهما فلما شاهدوا الحال هربوا في الليل في الجبال رجّالةً، فأصبح الناس فطلبوا الأمان من القتل وأن يؤسروا، ثم خرجوا في أحسن زيِّ وزينةٍ كأنهم الزهر، وصاحوا بين يدي السلطان وسجدوا، وقالوا بصوت واحد: العفو، ارحمنا يرحمك الله، فرقَّ قلبه ورحمهم، ورفع عنهم القتل.

قلت: هذه مجازفة متناقضة.

وكان بها طائفة من الأسرى فخلصهم الله، وكانت أنطاكية للبرنس صاحب طرابلس، وهي مدينةٌ عظيمة، مسافة سورها اثنا عشر ميلاً، وعدد أبراجها مائةٌ وستةٌ وثلاثون برجاً، وشرفاتها أربعٌ وعشرون ألفاً وفي داخلها جبلٌ وأشجار ووحوش، وماء يجري، وفواكه مختلفة، وكان لها في يد النصارى أكثر من مائة وسبعين سنة أو نحوها.

ثم إنه تسلم بغراس بالأمان، وكان قد هرب أكثر أهلها وتسلم دركوش، وصالح أهل القصير على مناصفته ومناصفة القلاع المجاورة له، ودخل دمشق في السابع والعشرين من رمضان، وكان يوماً مشهوداً.

وفيها كانت الصعقة الكبر الكائنة على غوطة دمشق في ثالث نيسان أحرقت الشجر والثمر والزرع والكرم، وهلك للناس ما لا يوصف، وكان السلطان قد احتاط على الغوطة وأراد أن يتملكها، وتعثرّ الناس بالظلم والمصادرة وضجوا واستغاثوا بالله، فلما شددوا على المسلمين وألزموهم بوزن ضمان بساتينهم حتى تطرّقوا إلى الأوقاف، أحرق الله الجميع، وجاء الفلاحون والضمان بالثمر والورق والكرم، وهو أسودٌ محروق، ورفعوا الأمر إلى نواب السلطنة، فلم يلتفتوا عليهم وأهانوهم، وأُلزموا بضمان أملاكهم، والله المستعان.

قال قطب الدّين (١): احتاط السلطان على البساتين وعلى القرى، وهو


(١) ذيل مرآة الزمان ٢/ ٣٨٥ فما بعدها.