دليلك؟ قال: إجماع الأمة. قال: فكما رضيت بإجماعهم في التنزيل، فارض بإجماعهم في التأويل. قال: صدقت، السلام عليك يا أمير المؤمنين.
وقال محمد بن زكريا الغلابي: حدثنا مهدي بن سابق قال: دخل المأمون يوما ديوان الخراج، فمر بغلام جميل على أذنه قلم. فأعجبه حسنه فقال: من أنت؟ قال: الناشئ في دولتك، وخريج أدبك، والمتقلب في نعمتك يا أمير المؤمنين، الحسن بن رجاء، فقال: يا غلام بالإحسان في البديهة تفاضلت العقول، ثم أمر برفع مرتبه عن الديوان، وأمر له بمائة ألف درهم.
وعن إسحاق الموصلي قال: كان المأمون قد سخط على الخليع الشاعر لكونه هجاه عندما قتل الأمين. فبينا أنا ذات يوم عند المأمون إذ دخل الحاجب برقعة، فاستأذن في إنشادها. فأذن له، فقال:
أجرني فإني قد ظمئت إلى الوعد … متى تنجز الوعد المؤكد بالعهد
أعيذك من خلف الملوك فقد ترى … تقطع أنفاسي عليك من الوجد
أيبخل فرد الحسن عني بنائل … قليل وقد أفردته بهوىً فرد
إلى أن قال:
رأى الله عبد الله خير عباده … فملكه والله أعلم بالعبد
ألا إنما المأمون للناس عصمة … مميزة بين الضلالة والرشد
فقال له: أحسنت، قال: يا أمير المؤمنين أحسن قائلها، قال: ومن هو؟ قال: عبيدك الحسين بن الضحاك، فقال: لا حياه الله ولا بياه. أليس هو القائل:
فلا تمت الأشياء بعد محمد … ولا زال شمل الملك فيها مبددا
ولا فرح المأمون بالملك بعده … ولا زال في الدنيا طريدا مشردا
هذه بتلك، ولا شيء له عندنا، قال الحاجب: فأين عادة عفو أمير المؤمنين، قال: أما هذه فنعم. ائذنوا له، فدخل، فقال له: هل عرفت يوم قتل أخي هاشمية هتكت؟ قال: لا، قال: فما معنى قولك:
ومما شجى قلبي وكفكف عبرتي … محارم من آل الرسول استحلت
ومهتوكة بالجلد عنها سجوفها … كعاب كقرن الشمس حين تبدت