للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال العباس: فقلت: ويلك! تشهد شهادة الحق قبل، والله، أن تضرب عنقك! فتشهد. فقال رسول الله حين تشهد: انصرف به يا عباس فاحبسه عند حطم الجبل بمضيق الوادي، حتى تمر عليه جنود الله.

فقلت له: إن أبا سفيان يا رسول الله رجل يحب الفخر، فاجعل له شيئا يكون له في قومك! فقال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن.

فخرجت به حتى حبسته عند حطم الجبل بمضيق الوادي. فمرت عليه القبائل، فيقول: من هؤلاء يا عباس؟ فأقول: سليم. فيقول: ما لي ولسليم! وتمر به القبيلة، فيقول: من هذه؟ فأقول: أسلم. فيقول: ما لي ولأسلم! وتمر جهينة.

حتى مر رسول الله في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار، في الحديد، لا يرى منهم إلا الحدق. فقال: يا أبا الفضل، من هؤلاء؟ فقلت: هذا رسول الله في المهاجرين والأنصار. فقال: يا أبا الفضل، لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما! فقلت: ويحك، إنها النبوة. قال: فنعم إذن.

قلت: الحق الآن بقومك فحذرهم. فخرج سريعا حتى جاء مكة، فصرخ في المسجد: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به! فقالوا: فمه؟ قال: من دخل داري فهو آمن. قالوا: وما دارك، وما تغني عنا؟ قال: من دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق داره عليه فهو آمن.

هكذا رواه بهذا اللفظ ابن إسحاق عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، عن عكرمة، عن ابن عباس - موصولا، وأما أيوب السختياني فأرسله. وقد رواه ابن إدريس عن ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس - بمعناه (١).

وقال عروة: أخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس يقول للزبير: يا أبا عبد الله، ها هنا أمرك رسول الله أن تركز الراية! قال: وأمر رسول الله يومئذ خالد بن الوليد أن يدخل مكة من كداء، ودخل


(١) ودلائل النبوة ٥/ ٣١ - ٣٥.