للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقلت: أين نزل الشيخ؟ قال: أيّما شيخ؟ قلت: عبد الله اليونيني. قال: خلفته ببعلبكّ. فقطبتُ وقلت: مبارك. ففهم وقبض على يدي وبكى، وقال: بالله حدثني، أيش معنى هذا؟ قلت: رأيته البارحة على عرفات. ثم رجعت إلى بغداد ورجع توبة إلى دمشق، وحدّث الشيخ عبد الله، ثم حدّثني الشيخ توبة قال: قال لي ما هو صحيح منك، فلان فتى، والفتى لا يكون غمّازاً. فلما عدت إلى الشام عتَبَني الشيخ. وحدثني الجمال يعقوب قاضي البِقاع، قال: كنت عند الجسر الأبيض وإذا بالشيخ عبد الله قد جاء ونزل إلى ثورا، وإذا بنصراني عابر، ومعه بغل عليه حِمل خَمْر فعثر البغل ووقع، فصعد الشيخ وقال: يا فقيه، تعال. فعاونته حتى حمّلناه، فقلت في نفسي: أيش هذا الفعل؟ ثم مشيت خلف البغل إلى العُقيبة فجاء إلى دّكان الخمّار، فحلّ الظرف وقلَبَه، وإذا به خَلّ، فقال له الخمّار. ويحك هذا خلّ، فبكى، وقال: والله ما كان إلا خمراً من ساعة، وإنما أنا أعرف العلة، ثم ربط البغل في الخان، وردّ إلى الجبل، وكان الشيخ قد صلى الظُّهر عند الجسر في مسجدٍ، قال: فدخل عليه النصراني، وأسلم، وصار فقيراً.

قال أبو المظفّر (١): وكان الشيخ شجاعاً ما يبالي بالرجال قلّوا أو كثروا، وكان قوسه ثمانين رطلاً، وما فاتته غزاة في الشام قط، وكان يتمنى الشهادة ويُلقي نفسه في المهالك. حدّثني خادمه عبد الصمد قال: لما دخل العادل إلى بلاد الفرنج إلى صافيتا قال لي الشيخ ببعلبك: انزل إلى عبد الله الثقة، فاطلب لي بغلته. قال: فأتيته بها، فركبها، وخرجت معه فبِتنا في يونين، وقمنا نصف الليل، فجئنا المُحدثَة الفجَر، فقلت له: لا تتكلم فهذا مكمن الفرنج. فرفع صوته وقال: الله أكبر، فجاوبته الجبال، فيَبستُ من الفَزَع، ونزل فصلى الفجر، وركب، فطلعت الشمس، وإذا قد لاح من ناحية حِصن الأكراد طلب أبيض، فظنّهم الاسبتار، فقال: الله أكبر، ما أكبرك من يوم، اليوم أمضي إلى صاحبي. وساق إليهم وشهر سيفه، فقلت في نفسي: شيخ وتحته بغلة وبيده سيف يسوق إلى طلب فرنج. فلما كان بعد لحظة وقربوا، إذا هم بمائة حمير


(١) مرآة الزمان ٨/ ٦١٥.