للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجل الفقهاء عندنا دراية ورواية، بصيرا بالعقود وعللها، صنف فيها كتابا حسنا، وكتابا مستوعبا في سجلات القضاة إلى ما جمع من أقوال الشيوخ المتأخرين، مع ما كان عليه من الطريقة المثلى من الوقار والتصاون والنزاهة.

٩٥ - محمد بن إسماعيل بن عباد بن قريش، القاضي أبو القاسم اللخمي الإشبيلي.

من ذرية النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وأصله من بلد العريش، البلد التي كانت أول رمل مصر، فدخل أبو الوليد إسماعيل بن عباد الأندلس، ونشأ له أبو القاسم، فاعتنى بالعلم وبرع في الفقه، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولي قضاء إشبيلية في أيام بني حمود الإدريسي، فأحسن السياسة مع الرعية والملاطفة لهم، فرمقته النفوس.

وكان المعتلي يحيى بن عليّ الإدريسي صاحب قرطبة مذموم السيرة فسار إلى إشبيلية وحاصرها، فلمّا نازلها اجتمع الأعيان إلى القاضي أبي القاسم هذا، وقالوا له: ترى ما نزل بنا، فقم بنا واخرج إلى هذا الظالم ونملكك، فأجابهم وتهيأ للقتال، وخرجوا إلى قتال يحيى، فركب إليهم وهو سكران، فقتل يحيى، وعظم أبو القاسم في النفوس وبايعوه، واستعان بالوزير أبي بكر محمد بن الحسن الزبيدي، وعيسى بن حجاج الحضرمي، وعبد الله بن عليّ الهوزني، فدبر أمر إشبيلية أحسن تدبير ولقبوه بالظافر المؤيد بالله، ثم أنه ملك قرطبة وغيرها، واتسع سلطانه.

وقضيته مشهورة مع الشخص الذي زعم أنه هشام المؤيد بالله بن الحكم الأموي، الذي كان المنصور محمد بن أبي عامر حاجبه.

انقطع خبر المؤيد بالله هذا أكثر من عشرين سنة، وجرت أحوال وفتن في هذه السنوات، فلمّا تملك القاضي أبو القاسم بن عباد قيل له: إن هشام بن الحكم أمير المؤمنين بقلعة رباح في مسجد، فأحضره ابن عباد وبايعه بالخلافة، وفوّض إليه، وجعل ابن عباد نفسه كالوزير بين يديه.

قال الأمير عزيز: استولى القاضي محمد بن إسماعيل على الأمر سنة

<<  <  ج: ص:  >  >>