أربع وعشرين، وحسده أمثاله وكثر الكلام فيه، وقالوا: قتل يحيى بن عليّ الحسني الإدريسي من أهل البيت، وقتل يحيى بن ذي النون ظلما، واتسع القول فيه، وهو في خلال ذلك مفكر فيما يفعله إذ جاءه رجل من قرطبة، فقال: رأيت هشاما المؤيد بالله في قلعة رباح، وكان ذلك الرجل يعرفه من مدة، فقال: انظر ما تقول! قال: أي والله رأيته، وهو هشام بلا شك، وكان عند القاضي عبد اسمه تومرت، كان يقوم على رأس هشام، فقال له: إذا رأيت مولاك تعرفه؟ قال: نعم، ولا أنكره ولي فيه علامات، فأرسل رجلا مع الرجل، فوجداه في قلعة رباح في مسجد، فأعلماه أنهما رسولا القاضي ابن عباد، فسار معهما إلى إشبيلية، فلما رآه مولاه تومرت قام وقبل رجليه، وقال: مولاي والله، فقام إليه القاضي، وقبل يديه هو وأولاده وسلموا عليه بالخلافة، وأخرجه يوم الجمعة بإشبيلية، ومشوا بين يديه إلى الجامع، فخطب هشام للناس وصلى بهم، وبايعوه، القاضي، وبنوه، والناس، وتولى القاضي الخدمة بين يديه، وبقي أمير المؤمنين، والقاضي يقول: أمر أمير المؤمنين، وجرى على طريقة الحاجب ابن أبي عامر غير أنه لم يخرج إلى الجمع طول مدته، والقاضي ابن عباد في رتبة وزير له.
واستقام لابن عباد أكثر مدن الأندلس.
قال عزيز: خرج هشام هاربا بنفسه من قرطبة عام أربع مائة مستخفيا حتى قدم مكة، ومعه كيس فيه جواهر، فشعر به حرامية مكة، فأخذوه منه، فبقي يومين لم يطعم، فأتاه رجل عند المروة، فقال: تحسن عمل الطين؟ قال: نعم، فمضى وأعطاه ترابا ليجبله، فلم يدر كيف يصنع، وشارطه على درهم وقرص، فقال له: عجل القرص، فأتاه به فأكله، ثم عمد إلى التراب فجبله.
ثم خرج مع قافلة إلى الشام على أسوأ حال، فقدم بيت المقدس فرأى رجلا حصريا فوقف ينظر، فقال له الرجل: أتحسن هذه الصناعة؟ قال: لا، قال: فتكون عندي تناولني القش؟ فأقام عنده مدة، وتعلم صنعة الحصر، وبقي يتقوت منها وأقام ببيت المقدس أعواما، ثم رجع إلى الأندلس سنة أربع وعشرين وأربع مائة.
قال عزيز: هذا نص ما رواه مشايخ من أهل الأندلس، ثم ذكر ما قاله أبو