للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو غير ذلك من المحرمات فكل ذلك جائز أو واجب ذكره ليحذر ضرره. وبهذا ظهر أن الجرح لم ينقطع وأنه والحالة هذه من النصيحة الواجبة المثاب فاعلها" (١).

ويلاحظ أن العلماء المسلمين، ومنهم السخاوي، قد برروا استعمال النقد في غير مجال الرواة بالفائدة المتوخاة منه للنصيحة ودفع الضرر. ومثل هذا التبرير قد يكون صحيحًا في حالة نقد المعاصرين فهو تفسير ساذج، حيث أن الذهبي وغيره لم يقتصروا على نقد المعاصرين من غير الرواة، بل تناولوا نقد السابقين أيضًا فيسأل عندئذ عن الغاية من نقد السابقين؟ كما أنهم لم يستطيعوا أن يوضحوا بجلاء سبب استمرار نقد الذهبي وغيره من المتأخرين المتقدمين بعد انقطاع الفائدة من مثل هذا النقد.

من كل ذلك يتضح أن تعليل مثل تلك الأمور لا يكون بمثل هذه البساطة فهناك عوامل أكثر عمقًا دفعت الذهبي إلى مثل هذه العناية لعلنا نستطيع إبراز بعضها فيما يأتي:

أ - استمرار العناية بالرواية، فعلى الرغم من أن تمييز الحديث الصحيح عن غيره قد استقر بعد ظهور الكتب الستة وبعض المجاميع الحديثية الأخرى فإن المسلمين لم يتركوا الرواية بل ازدادوا عناية بها تقليدًا للسابقين من جهة، وتدينًا وحبًا بالحديث وروايته من جهة أخرى. ومعنى ذلك استمرار الإسناد ومن ثم ضرورة استمرار النقد في كل عصر لتبيان أحوال الرواة (٢).

ب - لم يتقبل الذهبي آراء النقاد السابقين باعتبارها مسلمات لا يمكن ردها أو الطعن فيها دائمًا بالرغم من احترامه الشديد للثقات منهم ومدحه الكثير لهم. ويبدو أنه اعتبر باب الاجتهاد في النقد ما زال مفتوحًا، لذلك عني به كل هذه العناية، يدل على ذلك رَدُّه لآراءِ كثيرٍ من كبار النقاد وعدم قبولها مثل أحمد بن


(١) الإعلان، ص ٤٦١ - ٤٦٢.
(٢) ركز الذهبي في كتابه "الميزان" على الرواة القدماء واعتبر مطلع القرن الرابع الهجري هو الحد الفاصل بين المتقدم والمتأخر، وذكر أنه لو فتح على نفسه تناول المتأخرين لما سَلِمَ معه إلا القليل إذ "الأكثر لا يدرون ما يروون، ولا يعرفون هذا الشأن، إنما سمعوا في الصغر، واحتيج إلى علو سندهم في الكبر فالعمدة على مَنْ قرأ لهم، وعلى من أثبت طباق السماع لهم". (ج ١ ص ٤)، ولكنه تناولهم في تاريخ الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>