للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا نستحلّ أن نأخذ منك ورقاً. وكان له في كلّ بلدٍ من بلاد السلطان ضيعة أو أكثر في مصر والشام إلى خلاط، وبلغ مجموع ذلك مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار يعني مغلّه. وكان يكثر الإدلال على العادل، ويسخط أولاده وخواصّه، والعادل يترضّاه بكلّ ما يقدر عليه، وتكررّ ذلك منه، إلى أن غضب منه على حرّان، فلمّا صار إلى مصر وغاضبه على عادته، فأقرّه العادل على الغضب، وأعرض عنه. ثمّ ظهر منه فسادٌ، وكثرة كلام، فأمر بنفيه عن مصر والشام، فسكن آمد، وأحسن إليه صاحبها، فلمّا مات العادل عاد إلى مصر، ووزر للكامل، وأخذ في المصادرات، وكان قد عمي، ورأيت منه جلداً عظيماً أنّه كان لا يستكين للنوائب، ولا يخضع للنكبات، فمات أخوه ولم يتغيّر، ومات أولاده وهو على ذلك. وكان يحمّ حمّى قوية، ويأخذه النافض، وهو في مجلس السلطان ينفّذ الأشغال، ولا يلقي جنبه إلى الأرض، وكان يقول: ما في قلبي حسرةٌ إلاّ أنّ ابن البيسانيّ ما تمرّغ على عتباتي - يعني القاضي الفاضل - وكان يشتمه وابنه حاضر فلا يظهر منه تغيرٌ، وداراه أحسن مداراة، وبذل له أمولاً جمّةً في السّرّ. وعرض له إسهالٌ دمويٌ وزحير، وأنهكه حتّى انقطع، ويئس منه الأطباء، فاستدعى من حبسه عشرةٌ من شيوخ الكتّاب، فقال: أنتم تشمتون بي، وركّب عليهم المعاصير وهو يزحر وهم يصيحون إلى أن أصبح وقد خفّ ما به، وركب في ثالث يوم، وكان يقف الرؤساء والناس على بابه من نصف اللّيل، ومعهم المشاعل والشمع، ويركب عند الصّباح، فلا يراهم ولا يرونه، لأنّه إمّا أن يرفع رأسه إلى السماء تيهاً، وإمّا أن يعرّج على طريقٍ أخرى، والجنادرة تطرد النّاس.

وكان له بوابٌ اسمه سالم يأخذ من الناس أموالاً عظيمة، ويهينهم إهانةً مفرطة، واقتنى عقاراً وقرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>