قال: فعبأ سليمان بن صرد كتائبه، وانتهى إلى عين الوردة، فنزل في غربيها وأقام خمسا، فاستراحوا وأراحوا خيولهم، ثم قال سليمان: إن قتلت فأميركم المسيب، فإن أصيب فالأمير عبد الله بن سعد بن نفيل، فإن قتل فالأمير عبد الله بن وال، فإن قتل فالأمير رفاعة بن شداد، رحم الله من صدق ما عاهد الله عليه، ثم جهز المسيب بن نجبة في أربعمائة، فانقضوا على مقدمة القوم وعليها شرحبيل بن ذي الكلاع، وهم غارون، فقاتلوهم فهزموهم، وأخذوا من خيلهم وأمتعتهم وردوا، فبلغ الخبر عبيد الله بن زياد، فجهز إليهم الحصين بن نمير في اثني عشر ألفا، ثم أردفهم بشرحبيل في ثمانية آلاف، ثم أمدهم من الصباح بأدهم بن محرز في عشرة آلاف، ووقع القتال، ودام الحرب ثلاثة أيام واقتتلوا قتالا لم ير مثله، وقتل من الشاميين خلق كثير، وقتل من التوابين، وكذا كانوا يسمون؛ لأنهم تابوا إلى الله من خذلان الحسين رضي الله عنه، فاستشهد أمراؤهم الأربعة، ثم تحيز رفاعة بمن بقي ورد إلى الكوفة، وكان المختار في الحبس، فكتب إلى رفاعة بن شداد: مرحبا بمن عظم الله لهم الأجر فأبشروا، إن سليمان قضى ما عليه، ولم يكن بصاحبكم الذي به تنصرون، إني أنا الأمير المأمور، وقاتل الجبارين، فأعدوا واستعدوا، وكان قد حبسه الأميران إبراهيم بن محمد بن طلحة وعبد الله بن يزيد الخطمي، فبقي أشهرا، ثم بعث عبد الله بن عمر يشفع فيه إلى الأميرين، فضمنوه جماعة وأخرجوه، وحلفوه فحلف لهما مضمرا للشر، فشرعت الشيعة تختلف إليه وأمره يستفحل.
وكانت الكعبة احترقت في العام الماضي من مجمر، علقت النار في الأستار، فأمر ابن الزبير في هذا العام بهدمها إلى الأساس، وأنشأها محكمة، وأدخل من الحجر فيها سعة ستة أذرع، لأجل الحديث الذي حدثته خالته أم المؤمنين عائشة، ثم إنه لما نقضها ووصلوا إلى الأساس، عاينوه آخذا بعضه ببعض كأسنمة البخت، وأن الستة الأذرع من جملة الأساس، فبنوا على ذلك ولله الحمد، وألصقوا داخلها بالأرض، لم يرفعوا داخلها، وعملوا لها بابا آخر في ظهرها، ثم سده الحجاج، فذلك بين للناظرين، ثم قصر تلك الستة الأذرع فأخرجها من البيت، ودك تلك