للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العسكر، وانهزموا لهم، ثم خرج عليهم كمين فهربوا، وقُتل من العامة نحو الخمسمائة، ثم جاءت الأمراء، فرموا نفوسهم تحت التاج وقالوا: لم يقع هذا بعلمنا، وإنما فعله أوباش لم نأمرهم، فلم يقبل عُذرهم، فأقاموا إلى الليل وقالوا: نحن قيامٌ على رؤوسنا، لا نبرح حتى يعفى عن جُرمنا، فجاءهم الخادم يقول: قد عفا عنكم أمير المؤمنين فامضوا، ثم سار العسكر، وذهب بعضهم إلى الحلة، وبعضهم طلب بلاده.

ووقع الغلاء، ومات بالجوع والعري أهلُ القرى، ودخلوا بغداد يستعطون.

ومات قاضي القُضاة الزّينبي، فقُلِّد مكانه أبو الحسن علي بن أحمد بن علي ابن الدامغاني.

وفيها الغلاء مستمر بإفريقية، وجلا أكثر الناس ودخل خلق إلى جزيرة صقلية، وعظُم الوباء، فاغتنم الملعون رُجار صاحب صقلية هذه الشدة، وجاء في مائتين وخمسين مركبًا، ونزل على المهدية، فأرسل إلى صاحبها الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن باديس: إنما جئت طالبًا بثأر محمد بن رشيد صاحب قابس، وردّه إلى قابس، وأنت فبيننا وبينك عهود إلى مدة، فنريد منك عسكرًا يكون معنا، فجمع الحسن الفقهاء والكبار وشاورهم، فقالوا: نقاتل عدوّنا، فإن بلدنا حصين، قال: أخاف أن ينزل إلى البرَّ ويحاصرنا برًا وبحرًا ويمنعنا الميرة، ولا يحل لي أن أعطيه عسكرًا يقاتل به المسلمين، وإن امتنعت قال: نقضت، والرأي أن نخرج بالأهل والولد، ونترك البلد، فمن أراد أن ينزح فلينزح، وخرج لوقته، فخرج الخلق على وجوههم، وبقي من احتمى بالكنائس عند أهلها، وأخذت الفرنج المهدية بلا ضربة ولا طعنة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فوقع النهب نحو ساعتين، ونادوا بالأمان، وسار الحسن إلى عند أمير عرب تلك الناحية، فأكرمه، وصار للفرنج من طرابلس المغرب إلى قريب تونس.

وأما الحسن، فعزم على المسير إلى مصر، ثم عزم على المصير إلى عبد المؤمن هو وأولاده، وهو التاسع من ملوك بني زيري، وكانت دولتهم بإفريقية مائتين وثمان سنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>