أربع، وراسل مُجير الدين، والرئيس يقول: إنني ما قصدتُ بنزولي هنا طلبًا لمحاربتكم، وإنما دعاني كثرة شكاية أهل حوران والعُربان، أخذت أموالهم وأولادهم، ولا ينصرهم أحد فلا يسعني مع القدرة على نُصرتهم القعودُ عنهم، مع علمي بعجزكم عن حفظ أعمالكم والذبّ عنها، والتقصير الذي دعاكم إلى الاستصراخ بالإفرنج على محاربتي، وبذلكم لهم أموال الضعفاء من الرعية ظلمًا وتعديًا، ولا بد من المعونة بألف فارس تجرَّد مع مقدّم لتخليص ثغر عسقلان وغيره، فكان الجواب: ليس بيننا وبينك إلا السيف، فكثر تعجّب نور الدين، وأنكر هذا، وعزم على الزحف إلى البلد، فجاءت أمطارٌ عظيمة منعته من ذلك، ثم تقرر الصلح في أول سنة خمسٍ وأربعين، فإن نور الدين أشفق من سفك الدماء، فبذلوا له الطاعة، وخطبوا له بجامع دمشق بعد الخليفة والسلطان، وحلفوا له، فخلع نور الدين على مجير الدين خلعة كاملة بالطوق، وأعاده مكرّمًا، محتَرَمًا، ثم استدعى الرئيس إلى المخيّم، وخلع عليه، وخرج إليه المقدَّمون، واختلطوا به، وردّ إلى حلب.
وجاء الخبر بأن الملك مسعود نزل على تل باشِر وضايقها.
ثم قدم حُجاج العراق وقد أُخذوا، وحكوا مصيبة ما نزل مثلُها بأحد، وكان ركبًا عظيمًا فيه من وجوه خراسان وتنائها وعُلمائها، وخواتين الأمراء خلق، فأُخذ جميع ذلك، وقُتل الأكثر، وسلِم الأقل، وهُتكت الحُرم، وهلك خلقٌ بالجوع والعطش.
وأما مسعود، فإنه ترحّل عن تل باشِر.
وتوجّه مجاهد الدين بُزان إلى حصن صرخد، وهو له، لترتيب أحواله، وعرضت له نفرةٌ من صاحب دمشق ورئيسها، ثم طُلب، واصطلحوا على شرط إبعاد الحاجب يوسف عن دمشق، فأُبعد، فقصد بعلبك، فأكرمه متولّيها عطاء.
وأما مصر، فالأخبار واصلة بالخُلف المستمر بين وزيرها ابن مصال، وبين المظفّر ابن السلار فتمت حروب أسفرت عن قتل ابن مصال واستيلاء ابن السلار على الأمر، فسكنت الفتنة، ثم ثار الجُند، وجرت أمور، وقُتل جماعة، نسأل الله العافية.