الدين استيحاشًا أوجب جمعَ من أمكنه من أحداث دمشق والجهلة، ورتّبهم حول داره، ودار أخيه زين الدولة حيدرة للاحتماء بهم، وذلك في رجب، فنفذ مجير الدين يطيّب نفوسهما، فما وُثِق، بل جدّا في الجمع والاحتشاد من العوام والجُند، وكسروا الحبس وأطلقوا من فيه، واستنفروا جماعة من الشواغرة وغيرهم، وحصلوا في جمعٍ كثير امتلأت بهم الطرق، فاجتمعت الدولة في القلعة بالعُدد، وأخرِجت الأسلحة، وفرقت على الجند، وعزموا على الزحف إلى جمع الأوباش، ثم تمهلوا حقنًا للدماء، وخوفًا من نهب البلد، وألحوا على الرئيس وتلطّفوا إلى أن أجاب، واشترط شروطًا أجيب إلى بعضها، بحيث يكون ملازمًا لداره، ويكون ولده وولد أخيه في الديوان، ولا يركب إلى القلعة إلا مستدعًى إليها، ثم حدث بعد ذلك عود الحال إلى ما كانت عليه، وجمع الجمع الكثير من الأجناد والمقدّمين، والفلاحين، واتفقوا على الزحف إلى القلعة وحصرها، وطلب من عيّنة من أعدائه، فنشبت الحرب، وجُرح وقُتل جماعة، ثم عاد كل فريق إلى مكانه، ووافق ذلك هروب السّلار زين الدين إسماعيل شِحنة البلد وأخوه إلى ناحية بعلبك، ولم تزل الفتنة هائجةً، والمحاربة متصلة، إلى أن أُجيب إلى إبعاد من التمس إبعاده من خواص مُجير الدين، ونُهبت دار السلار وأخيه، وخلع على الرئيس وأخيه، وحلف لهما مُجير الدين، وأعاد الرئيس إلى الوزارة، بحيث لا يكون له في الأمر معترض ولا مُشارك.
وأما مصر، فمات بها الحافظ لدين الله عبد المجيد العُبيدي، وأقيم بعده ابنه الظافر إسماعيل، ووزر له أمير الجيوش ابن مصال المغربي، فأحسن السيرة والسياسة، ثم اضطربت الأمور واختلفت العساكر، بحيث قُتل خلقٌ منهم.
وأما أعمال دمشق كحوران، وغيرها، فعاثت بها الفرنج، وأجدبت الأرض، ونزح الفلاحون، فجاء نور الدين بجيشه إلى بعلبك ليوقع بالفرنج، ففتح الله بنزول غيث عظيم، فعظُم الدعاء لنور الدين، وأحبه أهل دمشق وقالوا: هذا ببركته وحُسن سيرته، ثم نزل على جسر الخشب في آخر سنة