وتقطّع بحلوان جبلٌ من الزلزلة، وهلك عالم من التركمان.
وفيها مات صاحب الموصل سيف الدين غازي بن زنكي، وملَك بعده أخوه مودود، وعاش غازي أربعًا وأربعين سنة، وكان مليح الصورة والشكل، وخلّف ولدًا توفي شابًا، ولم يُعقب.
وفيها وقع الخُلف بين رُجار الإفرنجي صاحب صقلية، وبين صاحب القسطنطينية، ودامت الحروب بينهم سنين، فاشتغل رُجار عن إفريقية.
وفيها قال أبو يَعلى التميمي في تاريخه: كان قد كَثُر فساد الفرنج المقيمين بعكا، وصور، والسواحل، بعد رحيلهم عن حصار دمشق، وفساد شروط الهدنة التي بين أُنُر وبينهم، فشرعوا في العبث في الأعمال الدمشقية، فنهض معين الدين أنُر بالعسكر مُغيرًا على ضياعهم، وخيّم بحوران، وكاتَب العرب، وشنّ الغارات على أطراف الفرنج، وأطلق أيدي التركمان في نهب أعمال الفرنج، حتى طلبوا تجديد عقد الهدنة والمسامحة ببعض المقاطعة، وترددت الرُسل، ثم تقررت الموادعة مدة سنتين، وتحالفوا على ذلك.
ثم بعث أنُر الأمير مجاهد الدين بُزان بن مامين في جيش نجدةً لنور الدين على حرب صاحب أنطاكية، فكانت تلك الوقعة المشهودة التي انتصر فيها نور الدين على الفرنج، فلله الحمد والمِنة، وكان جمعه نحوًا من ستة آلاف فارس سوى الأتباع، والفرنج في أربعمائة فارس، وألف راجل، فلم ينجُ منهم إلا اليسير، وقُتل ملكهم البلنس، فحُمل رأسه إلى نور الدين، وكان هذا الكلب أحد الأبطال والفرسان المشهورين بشدة البأس، وعظم الخلقة والتناهي في الشرّ.
ثم نازل نور الدين أنطاكية وحاصرها إلى أن ذلّوا وسلموها بالأمان، فرتب فيها من يحفظها، فجاءتها أمداد الفرنج، ثم اقتضت الحال مهادنة من في أنطاكية وموادعتهم.
وأما معين الدين أنُر فإنه مرض، وجيء به من حوران في محفة، ومات بدوسنطاريا في ربيع الآخر، ودُفن بمدرسته.
ثم جرت واقعة عجيبة، استوحش الرئيس مؤيّد الدين من الملك مُجير