وأمّا التّتار فنازلوا الموصل ومعهم صاحب ماردين، ونصبوا عليها المجانيق وضايقوها، ولم يكن بها سلاح ولا قوُتٌ كثير، فَغَلا السِّعر، واستنجد الملك الصّالح بالبرلي، فَنَجَده من حلب، فسار إلى سنْجار، فعزمت التّتار على الهرب، فوصل إليهم الكلب الزَّين الحافظيّ وأخبرهم بأن البرلي في طائفةٍ قليلة، وشجّعهم، فسارت إليه التّتار وهم في عشرة آلاف، والبرلي في ألفٍ من التّركمان والعرب، فتوقّف في لقائهم، ثمّ برز إليهم في رابع عشر جمادى الآخرة، فكسروه وقُتل جماعةٌ من وجوه أصحابه، وانهزم جريحًا، وأُسر طائفة من أصحابه بعد أنْ أبْلوا بلاءً حسنًا. ووصل البرلي إلى البيرة، ففارقه أكثر من معه، وقصدوا الدّيار المصريّة.
وجاءت رُسُل من هولاكو إلى البرلي يطلبه إليه، فلم يُجِبه إلى ذلك، وكاتب الملك الظّاهر فأمّنه، فسار إلى مصر، فأعطاه السّلطان إمريَّة سبعين فارسًا، وخلع عليه.
وأمّا التّتار فأخذوا الأسرى فأدخلوهم من النقوب إلى الموصل ليُعرِّفوهم بكسرة البرلي. واستمرَّ الحصار إلى شعبان من سنة ستّين، ثمّ طلبوا ولد الملك الصّالح، فأخرجه إليهم، ثمّ خلّوه أيّامًا، وكاتبوه بأن يسلّم الموصل وهدّدوه، فجمع الأكابر وشاورهم، فأشاروا عليه بالخروج فقال: تُقْتلون لا محالة. فصمّموا على الخروج، فخرج إليهم يوم نصف شعبان وقد ودّع الناس، ولبس البياض، فلمّا وصل إليهم رسَّموا عليه.
وكان الحصار قد طال جدًّا، وعلى سور البلد ثلاثون منجنيقًا ترمي العدوّ وعلى المغول سنداغو، وقد خندقوا على نفوسهم، وبالغوا في الحصار، حتّى كلَّ الفريقان. ثمّ سلّمت الموصل، ونوديَ في الموصل بالأمان فاطمأنّ النّاس، فشرع التّتار في خراب السور. فلمّا طمّنوا الناس دخلوا البلد وبذلوا السيف تسعة أيام إلى أوائل رمضان. ووسّطوا علاء الملك ولد الملك الصّالح، وعلَّقوه على باب الجسر، ثمّ رحلوا في آخر شوّال بالصّالح فقتلوه في الطّريق رحمه الله.