متحصّنين خوفًا من الأمير آقُش البرلي، فوقع بينهم مناوشة من حرب، ونجا الحاكم وصاحبه، وقصد البرلي فقبّل البرلي يده، وبايعه هو وكلّ من بحلب، وتوجّهوا إلى حرّان، فبايعه الشّيخ شهاب الدّين عبد الحليم ابن تيْميّة والد شيخنا وأهل حرّان. وجمع البرلي للحاكم جمعًا كثيرًا نحو الألف فارس من التُّركمان، وقصدوا عانَةَ، فوافاهم الخليفة المستنصر، فأعمل الحيلة، وأفسد التُّركمان على الحاكم، ودخل الحاكم في طاعته وانقاد له، ووقع الاتّفاق. فلمّا عُدم المستنصر في الوقعة المذكورة في ترجمته قصد الحاكم الرَّحبة، وجاء إلى عيسى بن مُهنّا، فكاتب الملك الظّاهر فيه، فطلبه، فقدِم إلى القاهرة، فبايعوه وامتدّت أيّامه، وكانت خلافته نيِّفاّ وأربعين سنة.
قال أبو شامة: وفيها جاء الخبر بالتقاء التَّتر الّذين بالموصل بعسكر البرلي، وجرت بينهم وقعةٌ قُتل فيها مقتلة عظيمة، وقُتِل عَلَمُ الدّين سنْجر المعروف بجكم الأشرفيّ، وابنه، وبكتوت الحّرانيّ.
قال: وفيها وُلّي ولاية دمشق ونظر الجامع والمساجد الأمير الافتخار الحرّانيّ؛ وكان شيخًا كبيرًا خيّرًا، ألزم أهل الأسواق بالصّلاة وعاقب عليها، ومنع جماعة من الأئمة الاستنابة، ورجع على بعضهم بما تناولهم منهم التّاج الشّحرور، والجمال الموقانيّ، والشّمس ابن غانم، والشّمس ابن عبد السلام. ونقَّص كثيرا من جامكيّاتهم المقرَّرة.
وأمّا أولاد صاحب الموصل فلمّا فارقوا المستنصر في العام الماضي أقاموا بسَنْجار، وكتب كبيرهم الملك الصّالح إلى الموصل يستشير أهلَها، فأشاروا عليه بالمجيء، فقدِم عليهم في العشرين من ذي الحجّة ومعه ثلاثمائة فارس، وكان في الموصل أربعمائة فارس، فدخلها، وترك إخوته بسَنْجار. فلمّا بلغهم قتْل المستنصر ونزول التّتار على الموصل لحصار أخيهم رجعوا، فأعطاهم الملك الظّاهر أخبازًا، وأعطى الملك المجاهد إسحاق مبلغًا من المال لخاصّه، ولعلاء الدّين مبلغًا لخاصّه.