للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما جمع فيهما من العلم والعمل والزهد والورع والنطق بالحكم.

قال: وذكر لي الشيخ أنه كان يقرأ كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ شرحا وتصحيحا؛ درسين في الوسيط، ودرسا في المهذب، ودرسا في الجمع بين الصحيحين، ودرسا في صحيح مسلم، ودرسا في اللمع لابن جني، ودرسا في إصلاح المنطق لابن السكيت، ودرسا في التصريف، ودرسا في أصول الفقه - تارة في اللمع لأبي إسحاق، وتارة في المنتخب لفخر الدين - ودرسا في أسماء الرجال، ودرسا في أصول الدين. وكنت أعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل، ووضوح عبارة، وظبط لغة، وبارك الله لي في وقتي. وخطر لي الاشتغال بعلم الطب، فاشتريت كتاب القانون فيه، وعزمت على الاشتغال فيه، فأظلم علي قلبي، وبقيت أياما لا أقدر على الاشتغال بشيء، ففكرت في أمري ومن أين دخل علي الداخل، فألهمني الله أن سببه اشتغالي بالطب، فبعت القانون في الحال، واستنار قلبي.

وقال: كنت مريضا بالرواحية، فبينا أنا في ليلة في الصفة الشرقية منها وأبي وإخوتي نائمون إلى جنبي، إذ نشطني الله وعافاني من ألمي، فاشتاقت نفسي إلى الذكر، فجعلت أسبح، فبينا أنا كذلك بين السر والجهر إذا شيخ حسن الصورة جميل المنظر يتوضأ على البركة في جوف الليل، فلما فرغ أتاني قال: يا ولدي، لا تذكر الله تشوش على والدك وإخوتك وأهل المدرسة. فقلت: من أنت؟ قال: أنا ناصح لك، ودعني أكون من كنت. فوقع في نفسي أنه إبليس، فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ورفعت صوتي بالتسبيح، فأعرض ومشى إلى ناحية باب المدرسة، فانتبه والدي والجماعة على صوتي، فقمت إلى باب المدرسة فوجدته مقفلا، وفتشتها فلم أجد فيها أحدا غير أهلها. فقال لي أبي: يا يحيى، ما خبرك؟ فأخبرته الخبر، فجعلوا يتعجبون، وقعدنا كلنا نسبح ونذكر.

قلت: ثم سمع الحديث؛ فسمع صحيح مسلم من الرضي ابن البرهان. وسمع صحيح البخاري، ومسند الإمام أحمد، وسنن أبي

<<  <  ج: ص:  >  >>