السلطاني الملكي المظفري الشمسي، وهو كتاب مليح ذكر فيه أن طرابلس فتحت في إمرة معاوية، وتنقلت في أيدي الملوك، وعظمت في زمن بني عمار، فلما كان في آخر المائة الخامسة ظهرت طوائف الفرنج بالشام، واستولوا على البلاد، فامتنعت عليهم طرابلس مدة، ثم ملكوها في سنة ثلاث وخمسمائة، واستمرت في أيديهم إلى الآن.
وما أحسن ما قَالَ في بشارة صاحب اليمن، وكانت الخلفاء والملوك في ذلك الوقت ما فيهم إلا من هو مشغول بنفسه مكب على مجلس أنسه، يرى السلامة غنيمة، وإذا عن له وصف الحرب لم يسلك إلا عن طرق الهزيمة، قد بلغ أمله من الرتبة، وقنع بالسكة والخطبة، أموال تنهب، وممالك تذهب، لا يبالون بما سلبوا، وهم كما قيل:
إن قاتلوا قتلوا أو طاردوا طردوا أو حاربوا حربوا أو غالبوا غلبوا إلى أن أوجد الله من نصر دينه وأذل الكفر وشياطينه.
وذكر شرف الدين محمد بن موسى القدسي الكاتب في السيرة المنصورية أن طرابلس عبارة عن ثلاثة حصون مجتمعة باللسان الرومي، وكان فتحها على يد سفيان بن مجيب الأزدي، بعثه لحصارها معاوية في خلافة عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فبنى بالمرج عن أميال منها حصنا سمي به، وقطع الواصل عنها برا وبحرا، وكان يجلب عليها خيلا ورجلا في النهار، ثم يأوي إلى حصنه في الليل، فكتبوا إلى ملك الروم لينجدهم، أو يبعث لهم مراكب للهزيمة، فبعث إليهم مراكب، فهربوا بالليل، فأصبح الحصن خاليا فكتب سفيان إلى معاوية فأسكنه جماعة من اليهود، فنقضوا العهد أيام عبد الملك بن مروان، ثم قَالَ: هذا حكاه المدائني عن عباد بن إبراهيم، وذكر أسامة بن منقذ أنها انتقلت إلى ملوك الشام إلى أن ملك المصريون الشام، فدخل فيما ملكوه، ثم تغلب عليه جلال الملك محمد بن عمار القاضي، فأخرج عامل المصريين منه، ثم تملكه بعده أخوه فخر الملك، ثم قصدها الفرنج في سنة اثنتين وخمسمائة، وأخذوها بعد مطاولة، وكان المنازل لها ابن صنجيل، فقصد فخر الملك بغداد في البحر مستنجدا بالسلطان محمد بن ملكشاه، واستخلف في الحصن ابن عمه، فأضاع الحزم وتشاغل عن القتال، فسأل أهل الحصن الأمان فأجيبوا، ولم يزل بيد الفرنج إلى الآن.