وقال قطب الدين: حكي لي أن سبب أخذ الفرنج لها أن ابن صنجيل جرى له أمرٌ أوجب خروجه عن بلاده، فركب البحر، وثجج فيه، وتوقفت عليه الريح، ثم رماه الموج إلى الساحل، فنزل بساحل طرابلس، فسيَّر إليه ابن عمار يسأله عن أمره، فأخبره بأنه نزل يستريح ويتزود، وسأله أن يخرج إليه سوقا، فخرج إليه جماعة فبايعوه وكسبوا عليه. ثم نزل إليه أهل جُبَّة بشرِّي، وهم نصارى فبايعوه، وعرّفوه أمر طرابلس، وأن الرعية نصارى، وأن صاحبه متغلب عليه، وحسّنوا له المقام، ووعدوه بالمساعدة على أخذه، فأقام. وحضر إليه خلقٌ من نصارى البلاد، وعجز ابن عمار عن ترحيله. ثم بنى ابن صنجيل الحصن المشهور به التي بنيت طرابلس المنصورية تحته، وأقام به واستولى على بر طرابلس، ولم يزل مصابراً لها، وكلما له يقوى ويكثر جمعه، ويضعف أهل البلد، ولا ينجد ابن عمار أحدٌ، ثم حصل الاتفاق على أنه يخرج منها بجميع ماله إلى عرقة، فخرج إليها وأقام بها مدةً ثم فارقها. وقوي شأن الفرنج بالساحل. ثم صلح أمر ابن صنجيل في بلاده التي بالبحر، وتوجه إليها واستناب على طرابلس بيمند جد صاحبها.
ثم مات ابن صنجيل وترك بنتاً، فكان بيمند يحمل إليها كل وقتٍ شيئاً إلى أن مات، وقام بعده ولده بيمند الأعور، فاستقل بمملكتها.، وكان شهما شجاعاً وطالت أيامه، ثم تملك بعده ولده بيمند، ولم يزل إلى حين توفي، وكان جميل الصورة، جاء إلى التتار أيام هولاوو، فقدم بعلبك وطمع أن يعطاها، فطلع إلى قلعتها ودارها، ونازل الملك الظاهر بلده مرتين، وكان ابن بنت صاحب سيس وبيده أيضاً أنطاكية، فهلك وتملك بعده ابنه، فلم تطل مدّته وهلك وتملك بعده سير بلمه. وعندما أخذت طرابلس قصد الميناء فقيل: إنه غرق، وقيل: نجا.
وذكر القاضي شمس الدين ابن خلكان أن الفرنج أخذت طرابلس في ثاني عشر ذي الحجة،، وكان صاحبها فخر الملك عمار بن محمد بن عمار قد