وكان يجلس في منزله على ضجاع ونمارق يمنة ويسرة في سائر البيت لمن يأتيه من قريش والأنصار والناس، وكان مجلسه مجلس وقار وحلم وعلم، وكان مهيبا نبيلا ما في مجلسه شيء من المراء واللغط، ولا رفع صوت، وكان الغرباء يسألونه عن الحديث فلا يجيب إلا في الحديث بعد الحديث، وربما أذن لبعضهم أن يقرأ عليه، وكان له كاتب قد نسخ كتبه يقال له: حبيب، يقرأ للجماعة، فليس أحد من يحضره يدنو، ولا ينظر في كتابه، ولا يستفهم هيبة له وإجلالا، وكان حبيب إذا قرأ فأخطأ فتح عليه مالك، وكان ذلك قليلا.
قال هلال بن العلاء، وأبو حاتم: أخبرنا أبو يوسف محمد بن أحمد، قال: حدثنا عتبة بن حماد الدمشقي، عن مالك قال: قال لي المنصور: ما على ظهرها أعلم منك، قلت: بلى، قال: فسمهم لي، قلت: لا أحفظ أسماءهم، قال: قد طلبت هذا الشأن في زمان بني أمية فقد عرفته، فأما أهل العراق فأهل إفك وباطل، وأما أهل الشام فأهل جهاد، وليس فيهم كثير علم، وأما أهل الحجاز ففيهم بقية العلم فأنت عالم الحجاز، زاد أبو حاتم: فلا تردن على أمير المؤمنين قوله، ثم قال: أكتب هذا العلم لمحمد.
حماد بن غسان واه، قال: حدثنا ابن وهب، سمعت مالكا يقول: لقد حدثت بأحاديث وددت أني ضربت بكل حديث منها سوطين ولم أحدث بها.
قال مصعب الزبيري: سأل الرشيد مالكا، وهو في منزل مالك، ومعه بنوه أن يقرأ عليهم فقال: ما قرأت على أحد منذ زمان، وإنما يقرأ علي، فقال: أخرج الناس حتى أقرأ أنا، فقال: إذا منع العام لبعض الخاص لم ينتفع الخاص، وأمر معنا، فقرأ عليه.
قال إسماعيل بن أبي أويس: كان مالك لا يفتي حتى يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال أبو مصعب: لم يشهد مالك الجماعة خمسا وعشرين سنة، فقيل له: ما يمنعك؟ قال: مخافة أن أرى منكرا فأحتاج أن أغيره، رواها إسماعيل القاضي عنه.
وقال الحسين بن الحسن بن مهاجر الحافظ: سمعت أبا مصعب يقول: كان مالك بعد تخلفه عن المسجد يصلي في منزله في جماعة يصلون بصلاته.