وكان من المفروض أن يخرج هذا الكتاب النفيس قبل هذا اليوم بسنين، ولكن مَرَّت عليَّ وأنا أعمل فيه سنون جدبات، اللّه وحده بها عليم، قاسينا فيها ما نحتسبه عند ذي الآلاء والنعم. ثم شاء اللّه، ولا راد لمشيئته، أن يمتحنني حين قبض إليه عبده الصالح أخي "رعد عواد، أبا حيدر" قبل تسع من السنين وهو في زهرة شبابه وقوته. وقد كان - رحمة اللّه عليه - لسنوات طوال قد حمل عني أعباء الحياة ومتابعة شؤوني الدنيوية، فاجتمعت عليَّ بفقده هموم الدنيا وأعباؤها، ووجدت مس الحق في فقده، فأي حزن بقي لي بفنائه، وعجبت من غفلتي وغفلته واستذكرت قول المحدث الثقة الفاضل حِبَّان بن علي العَنَزي في أخيه مِنْدَل، وكان اسمه عمرو:
عجبًا يا عَمْرو من غفلتنا … والمنايا مقبلات عَنَقا
قاصداتٌ نحونا مسرعةٌ … يتخللن إلينا الطُّرقا
فإذا أذكر فقدان أخي … أتقلب في فراشي أرقا
وأخي وأيُّ أخ مثل أخي … قد جرى في كُلِّ خيرٍ سَبَقا (١)
اللهم أَظِلَّنا وأظِلَّهُ في ظلك يوم لا ظِلَّ إلا ظِلُّكَ، وأعني بحولك وقوتك، وقوِّ قلبي على تحمل هذه الأعباء، بيدك النعماء وإليك الرَّغباء، وارحمني وارحمه برحمتك التي وسعت كل شيء.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب
أفقر العباد بشار بن عواد
(١) تاريخ مدينة السلام للخطيب ١٥/ ٣٣٦ - ٣٣٧، وتاريخ الإسلام ط ١٧/ الترجمة ٣٩٩.