أقمت معكم حتى شخت، فما وليت ولاية، حتى كبرت وفني عمري، فولوني من الحجاز ما فيه القوت، وإنما هذا الملك لك ولأشباهك، فقاتل عليه أو دع.
ثم انحاز داود إلى جهة المشاش بأثقاله، فوجه بها على درب العراق، وافتعل كتابا من المأمون بتولية ابنه محمد بن داود على صلاة الموسم، وقال له: اخرج فصل بالناس بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وبت بمنى، وصل الصبح، ثم اركب دوابك فانزل طريق عرفة، وخذ على يسارك في شعب عمرو حتى تأخذ طريق المشاش، حتى تلحقني ببستان ابن عامر، ففعل ذلك، فخاف مسرور وخرج في أثر داود راجعا إلى العراق، وبقي الوفد بعرفة، فلما زالت الشمس حضرت الصلاة، فتدافعها قوم من أهل مكة، فقال أحمد بن محمد بن الوليد الأزرقي، وهو المؤذن وقاص الجماعة: إذا لم تحضر الولاة يا أهل مكة، فليصل قاضي مكة محمد بن عبد الرحمن المخزومي، وليخطب بهم، قال: فلمن أدعو، وقد هرب هؤلاء، وأطل هؤلاء على الدخول؟ قال: لا تدع لأحد، قال: بل تقدم أنت، فأبى الأزرقي، حتى قدموا رجلا فصلى الصلاتين بلا خطبة، ثم مضوا فوقفوا بعرفة، ثم دفعوا بلا إمام، وحسين بن حسن متوقف بسرف، فبلغه خلو مكة وهروب داود، فدخلها قبل المغرب في نحو عشرة، فطافوا وسعوا ومضوا بعد المغرب فأتوا عرفة ليلا، فوقفوا ساعة، وأتى مزدلفة فصلى بالناس الفجر، ثم إنه أقام بمكة، وعسف وظلم وصادر التجار، وكانت أعوانه تهجم بيوت التجار لأجل الودائع، فيتهمون البريء ويعذبونه، وأخذ ما في خزائن الكعبة من مال.
وأما هرثمة فواقع أبا السرايا ثانيا فانكسر، ثم ثبت وانهزم أصحاب أبي السرايا، ثم أخذ هرثمة يكاتب رؤساء الكوفة.
وفيها وثب علي بن محمد بن جعفر الصادق بالبصرة، واستولى عليها من غير حرب.
وظهر باليمن إبراهيم أخو علي بن موسى الرضا، فنفى عاملها عنها، وسبى، وأخذ الأموال، وكان يقال له الجزار لكثرة من قتل.