ثم خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الخميس، واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري. فلما خرج ضرب عسكره على ثنية الوداع، ومعه زيادة على ثلاثين ألفا من الناس. وضرب عبد الله بن أبي ابن سلول عسكره على ذي حدة عسكره أسفل منه، وما كان فيما يزعمون بأقل العسكرين.
فلما سار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تخلف عنه ابن سلول فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب. وخلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالا له وتخففا منه. فلما قال ذلك المنافقون، أخذ علي سلاحه ثم خرج حتى أتى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو نازل بالجرف، فقال: يا رسول الله، زعم المنافقون أنك إنما خلفتني تستثقلني وتخفف مني. قال: كذبوا، ولكن خلفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي. فرجع إلى المدينة.
وأخرجا في الصحيحين من حديث الحكم بن عتيبة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: خلف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليا في غزوة تبوك. فقال: يا رسول الله، أتخلفني في النساء والصبيان؟ قال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي. ورواه عامر، وإبراهيم ابنا سعد بن أبي وقاص، عن أبيهما.
قال ابن إسحاق: حدثني بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما سار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى تبوك، جعل لا يزال يتخلف الرجل فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان. فيقول: دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه. حتى قيل: يا رسول الله، تخلف أبو ذر وأبطأ به بعيره، فقال: دعوه، إن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه. فتلوم أبو ذر بعيره فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثم