على موضع حجته من الكتاب والسنة. فإذا قيل له: مستنده القياس فكر، فربما استنبطه من النص. لقد رأيته يدقق على الأذكياء، فإن لم يقدر رجع إلى الاحتياط بالترك أو بالتشديد على النفس. وإن كان لا يحتمل الاحتياط لتعارض المحظور من الجانبين كشف عنه المذاهب وحججها، وفي الآخر يرجع إلى التقليد بعد أن يستحضر الكتب التي فيها المسألة، ويشترط على من يحضرها أن لا تكون عاريةً ولا حبسا، وأن يكون الكتاب ملكاً نظيفاً للمحضر، فإذا وقف على المسألة أعطى المحضر بحسب الحال، إما فضة وإما مأكولاً وقال له: هذه مكافأة لا أجرة، لأن العلم لا يؤخذ عليه أجرة، وكان كثيراً ما يطلب مذهب أحمد ويقول: كان صاحب حديث، ويذكر أنه سمع مسنده بمكة، فيقال له: أفلا نسمعه منك؟ فيقول: هذا ما تقلدته، ولا سمعته إلا لنفسي خاصة.
وكان عجز عن الطواف والتعبد، فجعل عوض ذلك الجلوس للسماع.
قال: فجعلت مجلسي إلى جنب القارئ لثقل سمعي، فسمعت منه جملةً.
قال المؤلف: كان عجباً فيما يسمعه ما أظنه سمع شيئاً فنسيه.
وكان يحفظ الجمع بين الصحيحين من زمن الصبا، استكتبه ودرسه، وكان يحفظه باختلاف الطرق والألفاظ، وبالفاء والواو إلى منتهى العبادات، وكثيراً من أحاديث القدر.
وكان يأخذ ارتفاع الشمس بالميزان. وكان قل أن يتكلم إلا متبسماً منشرحاً. فإذا أقبل على مقدمات الصلاة كان كأنه مصاب بولد أو محتضر، ويتوضأ لكل فريضة.
وقال: كنت يوماً في هذه الغرفة، فإذا ثعبان عظيم مطوق، فأخذت آلةً لقتله، وقلت له: حتى أنذرك ثبت هذه الأولى. فثبت على حاله، فقلت: انصرف وإلا قتلتك هذه الثانية. فأمتد، فرأيت هولاً مهولاً، فقلت له: الثالثة ما بقي سواها. فتحرك، واستدار، وصفّر، وأخرج يدين على صورة الحرذون، فقلت: ما أنت ثعباناً، ولا حرذوناً. وعرفت أنه جان.
وقال: كنت أربط الحطب، فإذا بي قد أحسست ألماً في عقبي، فظننتها شكة دخلت فيه، فلما أكملت ربط الحزمة نظرت فإذا حنش قد التف على