لأنه أخذ منه بعضهم عشر فولات. وكانت له إحدى عشرة شدة، فوضع في كل شدة فولة، وبقيت شدة لم يضع فيه، فاتفقت له جائحة في الطريق أصابت الشدة، وحدها، وحمى الله البواقي. فلما أكثر الناس الحكاية عنه تركه واقتات بالشعير. وقد تجذَّم في أكل الفول، وتفتت جسمه، وكان صديده يغلب الماء، وبقي مدة. وقيل: ما عليه أضر من الفول فإنه يولد السوداء. فقال: إن الذي جعله داء قادر على جعله دواء. ولم يزل يستعمله حتى عوفي. فكان يحكي ذلك، ويقلب بدنه ويقول لي: هل ترك له أثراً أو شراً؟ فلا أرى شيئاً.
وكان لا يشرب من صهاريج السبيل، وقال لي: هذه الأمور صدقات، والصدقات أوساخ الناس، واجتنابها مأثور.
وقال لي: أقمت أربعة أيام لا أجد ما أشتريه فطويتها، ولم أجد جوعاً سوى تغيرُّ يسير في الصوت.
وكان لا يخرج بحماره إلا مكمماً. وقال لي: دخلت البلد زمن الصبا فوقفت عند حداد، والمقود بيدي، فلم أشعر إلا ورجل أراني طرف ردائه قد مضغه الحمار فقرض منه، فأعطيته قيمة ما أفسد فقال: تصدق بها علي. فقلت: لا. ومذهبنا أن المديان إذا قال له رب الدّين: لا أجده، وأنا أُسقطه عنك، فقال: لا أجد شيئاً أجبر رب الدّين على القبض، وللمديان حقاً في خلاص ذمته بلا منة.
وكان يقول مع ذلك: لا أحرّم غير الحرام، لكن لي أن أترك ما شئت تركه من المباحات عندهم، والمشتبهات عندي، فنحن على وفاق.
قال المؤلف: وكان في مبدأ أمره بمكة، وقد نهب العراقي في بعض السنين، فامتنع حينئذٍ من معامل أهل مكة مطلقاً، وبقي يقتات الأرز مصلوقاً من الأرز المجلوب، حتى قرحت أشداقه، وإلى أن أُقعد ومرض.
وكان إذا تصرف له، وكيله ناوشه الأسولة، وناقشه، وكان إذا سأل عن مسألةٍ فذكر له فيها نص مالك سأل عن دليله، إلى أن يمعن في الكشف، فيقف