للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان قد لقيها على فراشه. أفليس من النادر المستبعد أن يكون من تمر الصدقة، فإن تمر الصدقة كان لا يدخل بيته.

وكان إذا سمع الناس ينسبونه إلى الورع ينكر ذلك، ويقول: إن الورع الذي يسيرون إليه أن يترك الإنسان الحلال المحض تقللاً. وأين الحلال؟ علم الله أنني ما وجدته قط. أيكون أكثر من أن أمد يدي فآخذ من البحر حوتاً بلا آلة. فما نفسي بذلك طيبة لأن القوة التي بسطت بها يدي، إنما نشأت من هذه الأقوات المشتبهات.

وكان يقول: إذا كان لا بد من اللقاء فالتواني من علامات الشقاء، فاعمل لدار البقاء، وليوم ينادى عليك: عبدٌ أطاع، أو عبدٌ طغى.

وكان يقول: لا آكل شيئاً بشهوة، وإنما آكله ضرورة. ولو جاز لي لتركته.

قال المؤلف: والظاهر أن الشهوات كانت قد خملت عنه بالكلية.

كان يقول: هذا الشواء عندي كالجيفة، وما أنا به جاهل، كنت آكله في الصبا، فسبحان مقلب القلوب، وربما سأل خادمه: ماذا أكلت؟ فربما قال: مضيرة. فيقول: يا بطن الجيفة، أما تبصر ما يقاسي أرباب الكروم من رعاة الماعز.

وكان يقول: سمعت عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: أدركت زماناً يقال لي فيه: عامل من شئت. ثم أدركت زماناً يقال فيه: عامل من شئت إلا فلاناً وفلاناً، ثم أدركت زماناً يقال لي فيه: لا تعامل أحدًا إلا فلاناً وفلاناً، ثم أنا في زمانٍ ما أدري من أعامل، ثم يقول الشيخ: إذا كان هذا حذيفة وزمانه فكيف بزماننا ً؟.

أمر السلطان بأن يكون نصيب بيت المال من موجود الشيخ صدقة عن الشيخ، ونزل الوارث، والموصى له عن نصيبهما من الأثاث لله، فصار الكل لله، فاجتمعوا لشرائه، فتزايدوا حتى بيع منه شيءٌ يساوي درهماً بنحو الألف.

وما زال الناس يتنافسون في آثار الصالحين، وهذه تركة ابن الزبير ما ظنوا أنها تبلغ مائة ألف، فأبيعت وبورك فيها، فبلغ الدرهم أكثر من خمسمائة.

وكان رحمه الله قد اختار زراعة الفول الرومي، لأن زريعته من بلاد الفرنج، ولا تستطيع العصافير نقله، فأقام يقتات الفول، وحده أربعين سنة. وقلَّ أن يكون صندوق عند أحدٍ من التجار، والمعتبرين إلا وفيه من ذلك الفول.

<<  <  ج: ص:  >  >>