ساقي، وقد نهشني، ونشبت أنيابه، فأُلهمت أن قبضت على حنكه وخنقته ففتح فاه وتخلص نابه، وانبعث الدم، قال: فطرحت الحنش ومسحت الدم، وما زدت على أن توضأت، وغسلت مكان النهشة، وأحسست بالسم إلى أن صعد إلى وسطي فوقف، فلما كان بعد سنةٍ صار مكان اللسعة بثرة، فقرضتها بالمقراض، فخرج منها ماءٌ أصفر، فقدرت أنه السم دار في بدني، ثم عاد إلى موضعه، وكفى الله.
وكان في جبهته ثؤلول تزايد حتى صار سلعةً، فكنت أراه وقت السجود يجتهد في تمكينه من التراب. ثم تفاقم أمره. وكان يهاب أن يكلم في مثل هذا. فدخلت يوماً فوجدت تلك السلعة قد ذهبت بقدرة الله، ومكانها كأن لم يكن فيه شيء غير أثرٍ يسير جداً. فقلت له حينئذٍ: الحمد لله على العافية. فقال: كانت تشوش علي في السجود، وما كان لها دواء إلا تمكينها من التراب، فلم أشعر بها إلا وقد انفقأت.
وقد تزوج بصبية في شبيبته، ولم يدخل بها. وطلقها لّما تجذّم.
وقد ضعف بصره في الآخر، فأصبح يوماً قلقاً وقال: دعوت البارحة: إن ابتليتني بشيءٍ فلا تبتليني بالعمى، وإن كان ولا بد فلا تمهلني بعد بصري. ودمعت عيناه عند الحكاية، فأحسست أنه لا بد له من العمى. وعمي قبل وفاته بخسمة عشر يوماً. انفقأت عيناه إلى داخل، فكان ماؤهما يسيل من أنفه.
واحتاج في الآخر إلى زوجةٍ فباع الدابة، واستعان بما يصرفه لعلفها في حق الزوجة. واتفق أن أباه، وجد الجرة التي يشرب منها الشيخ قد وصلتها الشمس، فحولها إلى الظل، وكانت طريقة الشيخ تقتضي أن هذا القدر يمنعه من الانتفاع لأنه يرى بها منفعة لم يعاوض عليها. فلما استدعى الماء قالت له الزوجة: ما هاهنا ماءٌ تشربه. فسألها عن القضية فأخبرته، فأعجبه نصحها، وبات وأصبح صائماً وطوى حتى جاء الذي كان يستقيّ له.
سألته كم لك ما أوقدت عليك سراجاً؟ فقال: نحوٌ من ستين سنة، ما تركته عن علم بما، ورد في الحديث، والبيوت ليس فيها مصابيح. ولكن بلغني بعد. وإنني لما انقطعت عن الناس اتفق ليلة ً أن السراج انطفأ لعارضٍ، فوجدت نفسي قد استوحشت لفقده فقلت لها: تري هذا شغلاً معبراً، وأنساً منقطعاً، لا