قصر له بقرب القادسية، فأكرمه مصعب وأدناه لشرفه، ثم كتب إلى المهلب بن أبي صفرة - وكان عامل فارس - ليقدم، فتوانى عنه، فبعث مصعب خلفه محمد بن الأشعث، فقال له المهلب: مثلك يأتي بريدا؟ قال: إني والله ما أنا بريد أحد، غير أن نساءنا وأبناءنا غلبنا عليهم عبداؤنا وموالينا، فأقبل المهلب بجيوش وأموال عظيمة، وهيئة ليس بها أحد من أهل البصرة، ولما انهزم جيش المختار انهد لذلك، وقال لنجي له: ما من الموت بد، وحبذا مصارع الكرام، ثم حصن القصر، ودام الحصار أياما، وفي أواخر الأمر كان المختار يخرج فيقاتل هو وأصحابه قتالا ضعيفا، ثم جهدوا وقل عليهم القوت والماء، وكان نساؤهم يجئن بالشيء اليسير خفية، فضايقهم جيش مصعب، وفتشوا النساء، فقال المختار: ويحكم! انزلوا بنا نقاتل حتى نقتل كراما، وما أنا بآيس إن صدقتموهم أن تنصروا، فضعفوا، فقال: أما أنا فلا والله لا أعطي بيدي، فاملس عبد الله بن جعدة بن هبيرة المخزومي فاختبأ، وأرسل المختار إلى امرأته بنت سمرة بن جندب، فأرسلت إليه بطيب كثير، ثم اغتسل وتحنط وتطيب، ثم خرج حوله تسعة عشر رجلا، فيهم السائب بن مالك الأشعري خليفته على الكوفة، فقال للسائب: ما ترى؟ قال: أنا أرى أم الله يرى؟ قال: بل الله يرى، ويحك! أحمق أنت؟ إنما أنا رجل من العرب، رأيت ابن الزبير انتزى على الحجاز، ورأيت نجدة انتزى على اليمامة، ورأيت مروان انتزى على الشام، فلم أكن بدونهم، فأخذت هذه البلاد فكنت كأحدهم، إلا أني طلبت بثأر أهل البيت، فقاتل على حسبك إن لم يكن لك نية، قال: إنا لله! وما كنت أصنع بحسبي؟ وقال لهم المختار: أتؤمنوني؟ قالوا: لا، إلا على الحكم. قال: لا أحكم في نفسي، ثم قاتل حتى قتل، ثم أمكن أهل القصر من أنفسهم، فبعث إليه مصعب عباد بن الحصين، فكان يخرجهم مكتفين، ثم قتل سائرهم. فقيل: إن رجلا منهم قال لمصعب: الحمد لله الذي ابتلانا بالإسار وابتلاك أن تعفو عنا، وهما منزلتان إحداهما رضا الله والأخرى سخطه، من عفا عفا الله عنه، ومن عاقب لم يأمن القصاص، يا ابن الزبير نحن أهل قبلتكم وعلى ملتكم، لسنا