وأما مخالفة الإنجيل للحقائق التاريخية فلكونه عملًا بشريًا، ولا حرج في ذلك، إذ أن النصارى ينسبون مثل هذه المخالفات إلى أسفار الوحي.
وقول برنابا:"الكذب فضيلة" لا يختلف كثيرًا عن قول بولس عن نفسه بأنّه روماني كذبًا (انظر أعمال ٢٣/ ٢٥)، ثمَّ قوله:"فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ الله قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ، فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟ "(رومية ٣/ ٧)، فصدور هذا الاعتراض من النصارى لا يقبل.
وأما التشابه بين أقوال الشاعر دانتي وإنجيل برنابا فهو لا يعني جزمًا بأن كاتب الإنجيل كان بعد دانتي، بل قد يكون دانتي هو المستفيد من برنابا، ثمَّ إن التشابه لا يعني بالضرورة نقل اللاحق عن السابق دائمًا، وإلا لزم أن نقول بأن أسفار التوارة التشريعية منقولة عن قوانين حمورابي للتشابه الكبير بينهما.
وأخيرًا، فإنَّه لو كان كاتب الإنجيل في العصور الوسطى لما وقع بتلك الأخطاء في الإحالة إلى أسفار التوارة، ولكان أيضًا قد اهتم بالتنديد بالأناجيل الأخرى، ولكنه لم يصنع لسبب بسيط، وهو أنَّه كتب إنجيله قبل انتشار هذه الأناجيل.
ولو كان الإنجيل منحولًا لندد مؤلفه بالتثليث وكتب في إبطاله، لكنه لم يتحدث عنه، فدلّ ذلك على أن زمن الكتابة سابق على دعوى التثليث التي ظهرت في القرن الميلادي الرابع.
وهكذا نرى أن إنجيل برنابا لا يختلف من ناحية الإسناد كثيرًا عن الأناجيل الأربعة، لكنه الإنجيل الوحيد الذي صرح فيه كاتبه باسمه وبأنه شاهد لما يكتب، وأما متنه فكان أكثر اتساقًا من جميع الأناجيل، متميزًا بترابطه وجمال أسلوبه ومعرفته الكبيرة بالعهد القديم وأسفاره، وهو ما يليق حقًّا بداعية النصرانية في الصدر الأوّل: برنابا.
وقد كانت مضامين هذا الإنجيل متفقة إلى حدّ بعيد مع ما يعهد في رسالات الله إلى أنبيائه، وحُقَّ لتولاند ١٧١٨ م في كتابه "الناصري" أن يقول عند ظهور هذا الإنجيل: " أقول على النصرانية السلام".
وكذا قوله: "إن مد النصرانية قد وقف من ذلك اليوم. . . إن المسيحية ستتلاشى