للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخبر أن الفضل بيده اليمنى، والقسط بيده الأخرى مع أن كلا يديه يمين كما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ الله عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ - عز وجل - وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا" (١).

فإذا كانت صفاته كلها كاملة لا نقص فيها، وبعضها أفضل من بعض لم يمتنع أنه هو العالي علوًا مطلقًا، وإن كان منه ما هو أعلى من غيره (٢).

وقال أيضًا: والقول بأن كلام الله بعضه أفضل من بعض، هو القول المأثور عن السلف وهو الذي عليه أئمة الفقهاء من الطوائف الأربعة وغيرهم (٣).

[الوجه الثالث: الجمهور على وقوع البدل إلى أثقل.]

قال ابن حزم: قال قوم من أصحابنا ومن غيرهم: لا يجوز نسخ الأخف بالأثقل. وقد أخطأ هؤلاء القائلون.

وجائز نسخ الأخف بالأثقل والأثقل بالأخف، والشيء بمثله، ويفعل الله ما يشاء ولا يسأل عما يفعل، وإن احتج محتج بقوله الله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (٢٨)} , وبقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، وبقوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}، فلا حجة لهم في شيء من ذلك.

أما قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}، {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}، فنعم، دين الله كله يسر، والعسر والحرج هو ما لا يستطاع، أما ما استطيع فهو يسر، وأما قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ} منه، ولا ثقيل البتة إلا وهو خفيف بالإضافة إلى ما هو أثقل منه هذا أمر يعلم حسًا ومشاهدةً، ولا يشك ذو عقل أن الصلوات الخمس المفروضة علينا أخف من خمسين صلاة، وأنها لو كانت صلاة واحدة


(١) مسلم (١٨٢٧).
(٢) درء التعارض (٣/ ٢٩٣).
(٣) مجموع الفتاوى (١٧/ ١٣)، وانظر مجموع الفتاوى (١٧/ ٩) وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>