للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما بالنسبة لما تكفره الأعمال الصالحة من الذنوب الصغائر والكبائر فإن العلماء اختلفوا هل تكفر الأعمال الصالحة الكبائر والصغائر؟ أم لا تكفر سوى الصغائر؟ فإن أريد أن الكبائر تمحى بمجرد الإتيان بالفرائض وتقع الكبائر مكفرة كما تكفر الصغائر باجتناب الكبائر فهذا باطل، وإن أريد أنه قد يوازن يوم القيامة بين بعض الأعمال فتمحى الكبيرة بما يقابلها من العمل ويسقط العمل فلا يبقى له ثواب فهذا قد يقع فلا يغتر جاهل فينهمك في الموبقات اتكالا على أنَّها تكفرها الصلوات دون الندم والاستغفار والتوبة، فقد تمحى الكبيرة وتكبر الصغيرة فتهلك، فينبغي أن يكون الناس على وجل فلا يتجرءون على الصغائر اعتماد تكفير الأعمال، اعلم أن الصغيرة تكبر بأسباب: منها الإصرار والمواظبة، ولذلك قيل: لا صغيرة مع إصرار ولا كبيرة مع استغفار، فإن الذَّنْب استعظامه يصدر عن نفور القلب عنه وكراهيته له، وذلك النفور يمنع من شدة تأثره به، واستصغاره يصدر عن الألف به وذلك يوجب شدة الأثر في القلب، والقلب هو المطلوب تنويره بالطاعات، والمحذور تسويده بالسيئات، ظلمة المعصية تمحى بحرقة الندم، وشدة المجاهدة بالترك في المستقبل.

وغفران الذنوب يرجى للعبد إذا كان قد غلبته شهوته، وليس للعبد المستهتر، فإن هؤلاء الذين لا ينالون بذنب يقترفونه ولا يقدمون خوفًا ولا يدعون شهوة يحال بينهم دين التوبة غالبًا، ومن اعتمد على التقوى مع الإصرار على الذَّنْبَ فهو كالمعاند، فإن التائب توبة نصوحًا مغفور له جزمًا، ولكن المؤمن يتهم توبته ولا يجزم بصحتها ولا بقبولها، فلا يزال خائفًا من ذنبه وجلًا.

وإن حسن الظن والرجاء هو الذي يحمل على العمل ويسوق إليه والمؤمن يقترن خوفه ورجاؤه بالعمل الصالح. (١)

[الوجه الخامس: شبهات متعلقة بالفداء والصلب والرد عليها.]

[الشبهة الأولى: الرد على تبريرات النصارى من قتل المسيح.]

نحن المسلمون نسأل النصارى سؤالًا:


(١) انظر: الجواب الكافي، ومفتاح دار السعادة، ومدارج السالكين كلهم لابن القيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>