[الوجه الثاني: الكتاب الذي بين أيديكم محرف، ولا يجوز الاحتجاج به.]
قال الزرقاني: إنا لا نسلم أن الكتاب الذي بأيديهم هو الإنجيل الذي نزل على عيسى؛ إنْ هو إلا قصة تاريخية وضعها بعض المسيحيين يبين فيها حياة المسيح وولادته ونشأته ودعوته والأماكن التي تنقل فيها والآيات التي ظهرت على يديه ومواعظه ومناظراته، كما يتحدث فيها عن ذلك الحادث الخيالي حادث الصلب، وعلى رغم أنها قصة فقد عجزوا عن إقامة الدليل على صحتها وعدالة كاتبها وأمانته وضبطه، كما أعياهم اتصال السند وسلامته من الشذوذ والعلة بل ثبت علميا تناقض نسخ هذه القصة التي أسموها الإنجيل مما يدل على أنها ليست من عند الله ولو كانت من عند الله ما أتاها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وصدق الله في قوله عن القرآن {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[النساء: ٨٢]. (١)
إن سياق هذه الكلمة في إنجيلهم يدل على أن مراده بها تأبيد تنبؤاته، وتأكيد أنها ستقع لا محالة أما النسخ فلا صلة لها به نفيًا ولا إثباتًا، وذلك لأن المسيح حدّث أصحابه بأمور مستقبلية، وبعد أن انتهى من حديثه هذا أتى بهذه الجملة التي تشبثوا بها:(السَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولَانِ وَلكِنَّ كَلَامِي لَا يَزُولُ).
ولا ريب أن لسياق الكلام تأثيره في المراد منه، وهكذا شرحها المفسرون منهم للإنجيل وقالوا: إن فهمها على عمومها لا يتفق وتصريح المسيح بأحكام ثم تصريحه بما يخالفها، من ذلك أنه قال لأصحابه كما جاء في إنجيل متى (إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لَا تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لَا تَدْخُلُوا. ٦ بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ.) وهذا اعتراف بخصوص رسالته لنبي إسرائيل ثم قال مرة أخرى كما في إنجيل مرقس: (اذْهَبُوا