للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فظهر من تعريف العلماء للجزية أنها في مقابل ما هو أعظم، وظهر من تفسير الآية أن المسلمين يخرجون دعاة إلى دين الحق لأجل نجاة هؤلاء في الدنيا، والآخرة فإذا منعوهم قاتلوهم مهما كلفهم ذلك حتى يسلموا، أو يقروا بالجزية فإذا أسلموا فلأمر واضح، وإذا اختاروا الجزية فهذا هو الصغار بعينه لأنهم رفضوا الإسلام، وقبلوا أحكامه لتجري عليهم.

[الوجه الثاني: أن فرض الجزية يندرج ضمن ما يسمى بعقد الذمة، وهذا العقد يحمل في مضمونه كل الأمن والأمان؛ لمن أراد أن يمكث في دولة الإسلام؛ وهو على دينه.]

والعقد في لغة العرب: التوثيق، والإبرام، ومنه: عقد الحبل، ويطلق العقد على المحسوسات، كما تقول: عقدتُ الحبل إذا جمعتَ بين طرفيه، وعقدتَه، وأوثقتَه، وقد يطلق على المعنويات، فتقول: هذا عقد بيع، وينبني على الإيجاب، والقبول، وقد ورد في كتاب اللَّه -عزَّ وجلَّ- قوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (المائدة: ١) والمراد به المعنوي.

والذمة في اللغة: الأمان، والعهد. (١)

وأما الاصطلاح: فمعناه إقرار بعض الكفار على كفرهم بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الملة، فهو أمان مخصوص لطائفة مخصوصة على هيئة مخصوصة، وهذا الأمان المخصوص المراد به: أن يؤمَّن من أعطي هذا العهد على نفسه، وماله، وأهله، وعرضه، فالكافر إذا جرى بينه، وبين المسلمين عقد الذمة فله ذمة اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- كما ثبتت بذلك


(١) ودليل ذلك قوله تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} (التوبة: ١٠)، والإل بمعنى القرابة والذمة بمعنى العهد؛ لأن الأصل أن الإنسان يحتمي بأمرين: إما بالقرابة، وإما بالعهد، قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} (الإسراء: ٣٤) وقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في حديث بريدة بن الحصيب -رضي اللَّه عنه-: "إذا حاصرت أهل حصن فأرادوا أن تجعل لهم ذمة اللَّه وذمة نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- فلا تجعل لهم ذمة اللَّه ولا ذمة نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك؛ فإنكم إن تخفروا ذممكم أهون من أن تخفروا ذمة اللَّه وذمة رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-"، وعلى هذا فالذمة معناها: العهد. اهـ. من الشرح الممتع (٣/ ٤٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>