للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنِّي أكْرَهُهُ قَالَ: فَإِنِّي أَكْرَهُ مَا تَكْرَهُ، أَوْ مَا كَرِهْتَ. (١)

فالسؤال لماذا لم يفعل خالدًا كما فعل أبو أيوب؟ نقول: إن خالدًا له فهم قد يختلف عن بعض الصحابة، وتأويل قد يُعارض تأويل أحدهم، وهذا ينبني على القاعدة التي أسسها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر التأويل والاجتهاد، فعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنه - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا حَكَمَ الْحاكمُ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ، ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ". (٢)

وهذا يؤكد أن وقوع الخلاف بين خالد وغيره من الصحابة لا ينبني عليه تفسيق أحدهما.

الوجه الخامس: مشاركة خالد - رضي الله عنه - في حرب المرتدين أمَّن دولة الإسلام، فإن فَرض أنه فعل خطأ ما فإنه يذوب في بحر حسناته.

قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٥٥].

لقد كانت الأمة في خوف في العهد المكي، ثم أمَّنها الله في العهد المدني، ثم أصابها الخوف بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم أمّنها الله بحرب من ارتد عن الدين الأبي، فالشروط الثلاثة التي ذكرها الله في الآية حصلت للصحابة - رضي الله عنهم-، الاستخلاف وتمكين الدين، وإبدال الخوف، وهذا حينما ارتد الناس بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقاتلهم الصحابة فحصل بذلك الأمن والاستقرار، وكان لخالد بن الوليد نصيبًا كبيرًا في ذلك، فما كان يعجز بعض الصحابة عنه في هذه الحروب كان خالد سرعان ما يُنقذ الموقف.

قال ابن كثير: لما رضي الصديق عن خالد بن الوليد وعذره بما اعتذر به، بعثه إلى قتال بني حنيفة باليمامة: وأوعب معه المسلمون، وعلى الأنصار ثابت بن قيس بن شماس، فسار لا يمر بأحد من المرتدين إلا نكل بهم، وقد اجتاز بخيول لأصحاب سجاح فشردهم وأمر بإخراجهم من جزيرة العرب، وأردف الصديق خالدًا بسرية لتكن ردءًا له من ورائه وقد كان


(١) مسلم (٢٠٥٣).
(٢) البُخَارِي (٦٩١٩)، ومسلم (١٧١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>