للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف، فلذلك يمكنك ما لا يمكننا، قال: فهاتوها مفتريات، فلم يرم ذلك خطيب، ولا طمع فيه شاعر، ولا طمع فيه لتكلفه؛ ولو تكلفه لظهر ذلك، ولو ظهر لوجد من يستجيده، ويحامي عليه، ويكايد فيه، ويزعم أنه قد عارض، وقابل، وناقض.

فدل ذلك العاقل على عجز القوم مع كثرة كلامهم، واستحالة لغتهم، وسهولة ذلك عليهم، وكثرة شعرائهم، وكثرة من هجاه منهم، وعارض شعراء أصحابه، وخطباء أمته؛ لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أنقض لقوله، وأفسد لأمره، وأبلغ في تكذيبه، وأسرع في تفريق أتباعه من بذل النفوس، والخروج من الأوطان، وإنفاق الأموال، وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفي على من هو دون قريش، والعرب في الرأي والعقل بطبقات، ولهم القصيد العجيب، والرجز الفاخر، والخطب الطوال البليغة، والقصار الموجزة، ولهم الأسجاع، والمزدوج، واللفظ المنثور، ثم يتحدّى به أقصاهم بعد أن أظهر عجز أدناهم فمحال - أكرمك الله - أن يجتمع هؤلاء كلهم على الغلط في الأمر الظاهر، والخطأ المكشوف البيّن، مع التقريع بالنقص، والتوقيف على العجز، وهم أشدّ الخلق أنفة، وأكثرهم مفاخرة، والكلام سيد عملهم، وقد احتاجوا إليه، والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض، فكيف بالظاهر الجليل المنفعة، وكما أنه محال أن يطبقوا ثلاثًا وعشرين سنةً على الغلط في الأمر الجليل المنفعة، فكذلك محال أن يتركوه، وهم يعرفونه ويجدون السبيل إليه، وهم يبذلون أكثر منه. (١)

[لماذا خص الله القرآن بأنه معجزة هذه الأمة؟]

قال السيوطي: وهي - أي المعجزات - إما حسّية وإما عقلية، وأكثر معجزات بني إسرائيل كانت حسّية لبَلادتهم، وقلة بصيرتهم، وأكثر معجزات هذه الأمة عقلية، لفرط ذكائهم، وكمال أفهامهم؛ ولأن هذه الشريعة لما كانت باقيةً على صفحات الدهر إلى يوم القيامة، خُصّت بالمعجزة العقلية الباقية؛ ليراها ذوو البصائر. (٢)


(١) الإتقان في علوم القرآن ٢/ ٣١١: ٣١٧.
(٢) الإتقان في علوم القرآن ٢/ ٣١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>