للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: إنه أمر علانيةً، ومنهم من يقول إنه أمر سرًّا، ومنهم من يقول بل رضي بقتله وفرح بذلك، ومنهم من يقول غير ذلك، وهذا كله كذب على علي - رضي الله عنه - وافتراء عليه، فعلي - رضي الله عنه - لم يشارك في دم عثمان، ولا أمر، ولا رضي، وقد روي عنه وهو الصادق البار أنه قال: والله، ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله، وروي عنه أنه سمع أصحاب معاوية يلعنون قتلة عثمان، فقال: اللهم، العن قتلة عثمان في البر والبحر والسهل والجبل، وروي أن أقوامًا شهدوا عليه بالزور عند أهل الشام أنه شارك في دم عثمان، وكان هذا مما دعاهم إلى ترك مبايعته لما اعتقدوا أنه ظالم وأنه من قتلة عثمان وأنه آوى قتلة عثمان لموافقته لهم على قتله، وهذا وأمثاله مما يبين شبهة الذين قاتلوه، ووجه اجتهادهم في قتاله، لكن لا يدل على أنهم كانوا مصيبين في ترك مبايعته وقتاله، وكون قتلة عثمان من رعيته لا يوجب أنه كان موافقًا لهم وقد اعتذر بعض الناس عن علي بأنه لم يكن يعرف القتلة بأعيانهم، أو بأنه كان لا يرى قتل الجماعة بالواحد، أوبأنه لم يدعِ عنده ولي الدم دعوى توجب الحكم له، ولا حاجة إلى هذه الأعذار بل لم يكن علي مع تفرق الناس عليه متمكنًا من قتل قتلة عثمان إلا بفتنة تزيد الأمر شرًا وبلاءً، ودفع أفسد الفسادين بالتزام أدناهما أولى من العكس، لأنهم كانوا عسكرًا وكان لهم قبائل تغضب لهم والمباشر منهم للقتل وإن كان قليلًا فكان ردؤهم أهل الشوكة، ولولا ذلك لم يتمكنوا، ولما سار طلحة والزبير إلى البصرة ليقتلوا قتلة عثمان قام بسبب ذلك حرب قتل فيها خلق، ومما يبين ذلك أن معاوية قد أجمع الناس عليه بعد موت علي وصار أميرًا على جميع المسلمين ومع هذا فلم يقتل قتلة عثمان الذين كانوا قد بقوا. (١)

ثالثًا: موقف سائر الصحابة - رضي الله عنهم - من مقتل عثمان - رضي الله عنه -: لقد ثبتت براءة الصحابة من دم عثمان براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، وقد سئل الحسن البصري وهو شاهد عيان: أكان فيمن قتل عثمان أحد من المهاجرين والأنصار؟ قال: كانوا أعلاجًا من أهل مصر. (٢)

ولما جاء حذيفة - رضي الله عنه - خبر مقتل عثمان وكان على فراش الموت قال: اليوم نفرت القلوب


(١) منهاج السنة لابن تيمية (٤/ ٤٠٦).
(٢) تاريخ خليفة (صـ ١٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>