للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أجل خلاصنا نزل من السماء وتجسد من روح القدس وصار إنسانًا، وحُبل به ووُلد من مريم البتول وألم واتجع وقُتل وصُلب ودُفن في اليوم الثالث، فهذا قول من هُدم عقله وسُلب فهمه وغلب عليه هواه، وطبع الله على قلبه وأعماه لأنهم جعلوا إلههم يعجز عن خلاصهم، ففعل بنفسه ما لا يليق من هذه الخصال الرذيلة، ولم يكن يقدر على خلاصهم حتى نزل بنفسه من السماء وتجسد بجسد، ودخل في بطن أمه وخرج من فرجها، ثم حل به بعد ذلك ما وصفوه (قتل وصلب وإهانة) فكأنه لو لم يكن ... المرأة ويحمل بما أخذه من ناسوتها لم يقدر على خلاصهم، وما ترى الناسوت إلا أقوى من الإله، إذ لولاه لم يقدر لكم الإله على خلاص (١).

[الوجه الثالث: أليس من الجهل والضلال الادعاء بأن إله الخلق حل به الضرب والإذلال والصلب؟]

قولهم إن الله فداهم بنفسه ودمه فهرق دمه في مرضاة جميع ولد آدم إذ كان ذنبه باقيًا في أعناق جميعهم فخلصهم منه بأن مكن أعداءه من صلبه وتسميره وصفعه إلا من أنكر صلبه أو شك فيه أو قال: بأن الإله يجل عن ذلك، فنسبوا الإله الحق سبحانه إلى ما يأنف أسقط الناس وأقلهم أن يفعله بمملوكه، وكذبوا الله -عَزَّ وَجَلَّ- كونه تاب على آدم - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وغفر له خطيئته ونسبوه إلى أقبح الظلم حيث زعموا أنه سجن أنبياءه ورسله وأولياءه في الجحيم بسبب خطيئة أبيهم ونسبوه إلى غاية السفه حيث خلصهم من العذاب بتمكينه أعداءه من نفسه حتى قتلوه وصلبوه وأراقوا دمه ونسبوه إلى غاية العجز حيث عجزوه أن يخلصهم بقدرته من غير هذه الحيلة ونسبوه إلى غاية النقص حيث سلط أعداءه على نفسه وابنه ففعلوا به ما فعلوا وبالجملة فلا نعلم أمة من الأمم سبت ربها ومعبودها وإلهها بما سبت به هذه الأمة (٢).

[الوجه الرابع: هل الإهانة التي حلت بالمصلوب لحقت الإله فإن ذلك لازم القول بالاتحاد؟]

إن المسيح طبيعة واحدة من طبيعيتين إحداهما طبيعة الناسوت والأخرى طبيعة اللاهوت وأن هاتين الطبيعتين تركبتا كما تركبت النفس مع البدن فصارتا إنسانًا واحدًا


(١) أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية للإمام القرافي (١٤٦).
(٢) إغاثة اللهفان (٢٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>