للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ستر اللَّه ورحمته، الألسنة عنها مقفلة والظنون عنها محجمة وبذلك يكون الإسلام قد حفظ للمسلمين ضرورة من ضروريات معاشهم وقيام مدنيتهم وذلك بحفظ أعراضهم وصيانتها فأوجب حد القذف ثمانين جلدة للقاذف الكاذب الجاني بكذبه الزمن، على حرمة الأعراض تقويضًا لمعنوياتهم وإدخالًا لعنصر الفساد في مصلحة تعايشهم قال اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤)} (النور: ٤) (١).

سادسًا: حكمة تشريع أربعة شهود في الزنا دون القتل بشاهدين فقط.

وقال ابن القيم في ذلك أيضًا: وأما اكتفاؤه في القتل بشاهدين دون الزنا ففي غاية الحكمة والمصلحة فإن الشارع احتاط للقصاص والدماء واحتاط لحد الزنا فلو لم يقبل في القتل إلا أربعة لضاعت الدماء وتواثب العادون وتجرؤوا على القتل وأما الزنا فإنه بالغ في ستره كما قدر اللَّه ستره فاجتمع على ستره شرع اللَّه وقدره فلم يقبل فيه إلا أربعة يصفون الفعل وصف مشاهدة ينتفي معها الاحتمال وكذلك في الإقرار لم يكتف بأقل من بأربع مرات حرصًا على ستر ما قدر اللَّه ستره وكره إظهاره والتكلم به وتوعد من يحب إشاعته في المؤمنين بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة (٢).

سابعًا: هذا الحكم ثابت في التوراة والإنجيل والقرآن.

وتعديل الشهود بالأربعة في الزنا حكم ثابت في التوراة والإنجيل والقرآن، قال اللَّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} وقال هنا: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}. وروى أبو داود عن جابر بن عبد اللَّه قال: جاءت اليهود برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ائتوني بأعلم رجلين منكم" فأتوه


(١) انظر: الحدود والتعزيزات لبكر أبو زيد (٢٠٩).
(٢) إعلام الموقعين ٢/ ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>