للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول الآخر: ويستحب أن يأتيها ماشيا ليكون أعظم للأجر وعليه سكينة ووقار لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تأتوا الصلاة وأنتم تسعون" (١)، ويقارب بين خطاه لتكثر حسناته. (٢)

وهذا القول يبين علة استحباب المشي بسكينة ووقار، وقد ذكر العلماء علة أخرى وهي: أَنَّ الذَّاهِب إِلَى صَلَاة عَامِد فِي تَحْصِيلهَا وَمُتَوَصِّل إِلَيْهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون مُتَأَدَبًا بِآدَابِهَا، وَعَلَى أَكمَل الْأَحْوَال. وَهَذَا مَعْنَى الرِّوَايَة الثَّانِيَة؛ فَإِنَّ أَحَدكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِد إِلَى الصَّلَاة فَهُوَ فِي صَلَاة، وَهَذَا يَتَنَاوَل جَمِيع أَوْقَات الْإِتْيَان إِلَى الصَّلَاة، وَأكًّدَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا آخَر قَالَ: "فَما أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا" فَحَصَلَ فِيهِ تَنْبِيه وَتَأْكِيد لِئَلَّا يَتَوَهَّم مُتَوَهِّم أَنَّ النَّهْي إِنَّمَا هُوَ لمِنْ لَمْ يَخَفْ فَوْت بَعْض الصَّلَاة؛ فَصرَّحَ بِالنَّهْيِ وَإِنْ فَاتَ مِنْ الصَّلَاة مَا فَاتَ، وَبَيَّنَ مَا يُفْعَل فِيمَا فَاتَ. (٣)

قال الشافعي: ومما علمت أحدًا روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجمعة أنه زاد فيها على مشيه إلى سائر الصلوات، ولا عن أحد من أصحابه، . . ولا تؤتَى الجمعة إلا ماشيًا كما تؤتى سائر الصلوات وإن سعى إليها ساع أو إلى غيرها من الصلوات لم تفسد عليه صلاته، ولم أحب ذلك له. (٤)

[الوجه الثالث: الجمع بين الآية والحديث، وأنهما متفقتان في المعنى.]

فقد استدل العلماء على أن السعي المأمور به في الآية غير السعي المنهي عنه في الحديث، والحجة فيه أن السعي في الآية فُسر بالمضي، والسعي في الحديث فُسر بالعدو لمقابلته بالمشي. (٥)

أما في الآية فسر لنا معنى السعي في قَوْله تَعَالَى {وَذَرُوا الْبَيْعَ}: أَيْ اشْتَغِلُوا بِأَمْرِ الْمعَاد وَاتْرُكُوا أَمْر الْمعَاش، ومعلوم أن الأمر بترك البيع لا يعني الإسراع والجري إلى الصلاة، ولكن لما قابل الله بين الأمر بالسعي والنهي عن البيع دل على أن المراد بالسعي: العمل الذي هو الطاعة (٦).


(١) سبق تخريجه.
(٢) الكافي ١/ ٢٥٨.
(٣) شرح النووي ٣/ ١٠٨.
(٤) الأم ١/ ١٩٦.
(٥) فتح الباري ٢/ ٤٥٤، عمدة القاري ٦/ ٢٠٦.
(٦) عون المعبود ١/ ١٩٥، فتح الباري ٢/ ٤٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>