للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: لو بثثته فيكم لقطع هذا البلعوم، وليس هذا من باب كتمان العلم في شيء؛ فإن العلم الواجب يجب بثه ونشره، ويجب على الأمة حفظه، والعلم الذي في فضائل الأعمال مما يصح إسناده يتعين نقله، ويتأكد نشره، وينبغي للأمة نقله، والعلم المباح لا يجب بثه ولا ينبغي أن يدخل فيه إلا خواص العلماء. (١)

قال ابن حجر: وحمل العلماء الوعاء الذي لم يبثه، على الأحاديث التي فيها تبيين أسامي أمراء السوء، وأحوالهم، وزمنهم، وقد كان أبو هريرة يكنى عن بعضه ولا يصرح به، خوفًا على نفسه منهم. كقوله: (أعوذ بالله من رأس الستين، وإمارة الصبيان) يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية، لأنها كانت سنة ستين من الهجرة، واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة.

قال ابن المنير: جعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهرًا وباطنًا، وذلك الباطن إنما حاصله الانحلال من الدين، قال: وإنما أراد أبو هريرة بقوله قطع: أي قطع أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم، وتضليله لسعيهم. (٢)

قال ابن كثير: وهذا الوعاء الذي كان لا يتظاهر به هو الفتن والملاحم وما وقع بين الناس من الحروب والقتال، وما سيقع التي لو أخبر بها قبل كونها لبادر كثير من الناس إلى تكذيبه، وردوا ما أخبر به من الحق، كما قال: لو أخبرتكم أنكم تقتلون إمامكم وتقتتلون فيما بينكم بالسيوف لما صدقتموني. . . . ثم قال: وإنما كان الذي فيه شيء من الفتن والملاحم كما أخبر بها هو وغيره من الصحابة. (٣)

[الوجه الثاني: جواز كتمان بعض العلم لمن لا يحسن فهمه، أو يترتب عليه فتنة.]

قَالَ القَاضي عيَاض: فِيهِ دَلِيل عَلَى أنَّهُ كَتَمَ مَما خَشِيَ الضَّرَر فِيهِ والفِتْنَة مِمَّا لَا يَحْتَمِلهُ عَقْل كُلّ وَاحِد، وَذَلِكَ فِيمَا لَيْسَ تَحْته عَمَل وَلَا فِيهِ حَدٌّ مِنْ حُدُود الشَّرِيعَة. قَالَ: وَمثْل هَذَا عَنْ الصَّحَابَة - رضي الله عنهم - كَثِير فِي تَرْكِ الْحَدِيث بِمَا لَيْسَ تَحْته عَمَل، وَلَا تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَة، أَوْ لَا تَحْمِلهُ


(١) سير أعلام النبلاء ١٠/ ٦٠٣.
(٢) فتح الباري (١/ ٢١٦).
(٣) البداية والنهاية (٨/ ١٠١: ١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>