للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحسن الكتابة أن يصير عالمًا بالكتابة، ويخرج عن كونه أميًا؛ فإن كثيرًا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها بيده، وخصوصًا الأسماء، ولا يخرج بذلك عن كونه أمِّيًا ككثير من الملوك.

ويحتمل أن يكون جرت يده بالكتابة حينئذ وهو لا يحسنها، فخرج المكتوب على وفق المراد، فيكون معجزة أخرى في ذلك الوقت خاصة، ولا يخرج بذلك عن كونه أميًا، وبهذا أجاب أبو جعفر السمناني أحد أئمة الأصول من الأشاعرة، وتبعه ابن الجوزي. والحق أن معنى قوله فكتب أي أمر عليًّا أن يكتب انتهى. وفي دعوى أن كتابة اسمها لشريف فقط على هذه الصورة تستلزم مناقضة المعجزة، وتثبت كونه غير أمي نظر كبير والله أعلم (١).

٢ - فمما سبق نقول: لا نُسلّم بأن الرواية السابقة، جاء فيها التصريح بمباشرة النبي - صلى الله عليه وسلم - للكتابة، بل هي محتملة لأمرين: أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المباشر، أو أن يكون علي - رضي الله عنه - هو الذي قام بالمباشرة، وتكون نسبة الكتابة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مجازيةً، باعتبار أنه هو الآمر بالكتابة، ونظير ذلك قول الصحابي: ونقش النبي - صلى الله عليه وسلم - في خاتمه: محمد رسول الله، أي أمر بنقشه. وإذا أردنا معرفة رجحان أي الاحتمالين؛ فإنه يجب علينا العودة إلى مروّيات الحديث وطرقه.

ونخلص من مجموع تلك الروايات أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر عليًّا - رضي الله عنه - أن يمحو كلمة: رسول الله، فرفض عليٌّ - رضي الله عنه - ذلك، فطلب منه أن يريه مكانها، فمحاها بيده، ثم أمره بكتابة لفظة بن عبد الله، وهذا هو مقتضى الروايات.

[الوجه الثالث: لم يعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - موضع الكلمة التي أرادوا حذفها فأراهما له علي]

ثم إننا نقول: إن رواية البخاري التي ذكرت قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فأرنيه"، فيها إشارة واضحة إلى احتياج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عليِّ كي يرشده إلى مكان الكلمة، مما يدل بوضوح على عدم معرفته للقراءة أصلا، ويضاف إك ذلك أن المشرك الذي تفاوض مع النبي - صلى الله عليه وسلم - لو رآه يكتب شيئًا بيده في تلك الحادثة لنقلها إلى كفّار قريش، فقد كانوا يبحثون عن أي شيء


(١) فتح الباري ٧/ ٥٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>