للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجوز أن يكون التجأ فيما بينه وبين الله تعالى وأظهر للأضياف التألم وضيق الصدر والله أعلم. (١)

ولا يخرج هذا لوطًا من صفات المتوكلين على الله الواثقين بتأييده ونصره، لكن لوطًا - عليه السلام - أثار منه الغضب في ذات الله ما يثير من البشر، فكان ظاهر قول لوط كأنه خارج عن التوكل، وإن كان مقصده مقصد المتوكلين فنبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ظاهر قول لوط تنبيه على ظاهر قول إبراهيم، وإن كان مقصده غير الشك لأنهم كانوا صفوة الله المخصوصين بغاية الكرامة ونهاية القرية، لا يقنع منهم إلا بظاهر مطابق للباطن بعيد عن الشبهة. (٢)

فقد كان متوكلًا على الله معتمدًا عليه في أحواله مفوضًا الأمر إليه. وقد مدحه الله تعالى، قال تعالى: {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: ١٢٧]. قال تعالى: {رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ} [الشعراء: ١٦٩]، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (٣٠)} [العنكبوت: ٣٠].

وأما عن مدحه: فقد شهد الله له بالحكمة والعلم. قال تعالى: {وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: ٧٤].

[الوجه السادس: جواز الاستعانة بالمخلوق في دفع المفسدة.]

قال ابن حزم: وهذا لا حجة لهم فيه أما قوله - صلى الله عليه وسلم -: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠)} [هود: ٨٠] فليس مخالفًا لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رَحِمَ الله لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يأوي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ". بل كلا القولين منهما - عليهما السلام - حق متفق عليه لأن لوطا - عليه السلام - إنما أراد منعه عاجلة يمنع بها قومه مما هم عليه من الفواحش من قرابة أو عشيرة أو أتباع مؤمنين.

وما جهل قط لوط - عليه السلام - أنه يأوي من ربه تعالى إلى أمنع قوة، وأشد ركن.


(١) شرح صحيح مسلم للنووي ١/ ٤٦٢.
(٢) شرح صحيح البخاري لابن بطال ٩/ ٥٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>