تأمل قوله تعالى:{أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا أَنْ كُنْتُمْ قَوْمًا مُسْرِفِينَ}[الزخرف: ٥] في شدة التنبيه على تركهم الحق، والإعراض عنه، وموضع امتنانه بالذكر والتحذير. وقوله: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩)} [الزخرف: ٣٩]، وهذا بليغ في التحسير.
وقوله: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٢٨)} [الأنعام: ٢٨]، وهذا يدل على كونهم مجبولين على الشر، معوَّدين لمخالفة النهي والأمر.
وقوله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١)} [المؤمنون: ٩١]، وكذلك قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٢٢)} [الأنبياء: ٢٢]: نهاية في الحجاج، وقوله: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} [الملك: ١٣, ١٤]: نهاية في الدلالة على علمه بالخفيات، ولا وجه للتطويل؛ فإنَّ بيان الجميع في الرفعة وكِبَر المنزلة على سواء.
وقد ذكرنا من قبل أن البيان يصح أن يتعلق به الإعجاز وهو معجز من القرآن. وما حكينا عن صاحب الكلام من المبالغة في اللفظ فليس ذلك بطريق الإعجاز، لأن الوجوه التي ذكرها قد تتفق في كلام غيره وليس ذلك بمعجز؛ بل قد يصح أن يقع في المبالغة في المعنى والصفة وجوه من اللفظ تثمر الإعجاز، وتضمين المعاني أيضًا قد يتعلق به الإعجاز إذا حصلت للعبارة طريق البلاغة في أعلى درجاتها. (١)
[الوجه الحادي عشر: الإعجاز الخطابي: في مناسبة القرآن وإرضائه للعامة والخاصة - إعجاز خاص بالأقوال المحكية في القرآن.]
قال ابن عاشور: فهو إذا حكى أقوالًا غير عربية صاغ مدلولها في صيغة تبلغ حد الإعجاز بالعربية. وإذا حكى أقوالًا عربية تصرف فيها تصرفًا يناسب أسلوب المعبر، مثل