وإطلاق هذا الحكم كاف في صحة نسخه؛ لأنه يدل على الاستمرار بحسب الظاهر وإن لم يعرض له النص.
الوجه الثاني: أن ما ذكروه من امتناع نسخ الحكم المؤبد غير صحيح أيضًا وما استندوا إليه منقوض بوجوه ثلاثة:
أولها: أن استدلالهم بأنه يؤدي إلى التناقض مدفوع بأن الخطابات الشرعية مقيدة من أول الأمر بألا يرد ناسخ، كما أنها مقيدة بأهلية المكلف للتكليف، وألا يطرأ عليه جنون أو غفلة أو موت وإذن فمجيء الناسخ لا يفضي إلى تناقض بينه وبين المنسوخ بحال.
ثانيها: أن استدلالهم بأنه يؤدي إلى أن يتعذر على الله بيان التأبيد لعباده مدفوع بأن التأبيد يفهمه الناس بسهولة من مجرد خطابات الله الشرعية المشتملة على التأبيد، وهو ما يشعر به كل واحد منا، وذلك لأن الأصل بقاء الحكم الأول، وما اتصل به من تأقيت أو تأبيد وطرو الناسخ احتمال مرجوح، واستصحاب الأصل أمر يميل إليه الطبع كما يؤيده العقل والشرع.
ثالثها: أن جواز نسخ الشريعة الإسلامية إن لزمنا معاشر القائلين بالنسخ فإنه يلزمنا على اعتبار أنه احتمال عقلي لا شرعي بدليل أننا نتكلم في الجواز العقلي لا الشرعي، أما نسخ الشريعة الإسلامية بغيرها من الناحية الشرعية فهو من المحالات الظاهرة؛ لتضافر الأدلة على أن الإسلام دين عام خالد ولا يضير المحال في حكم الشرع أن يكون من قبيل الجائز في حكم العقل. (١)
[الشبهة السادسة: يقولون إن النسخ يستلزم اجتماع الضدين، واجتماعهما محال.]
وبيان ذلك أن الأمر بالشيء يقتضي أنه حسن وطاعة ومحبوب لله، والنهي عنه يقتضي أنه قبيح ومعصية ومكروه له تعالى، فلو أمر الله بالشيء ثم نهى عنه، أو نهى عن الشيء ثم أمر به لاجتمعت هذه الصفات المتضادة في الفعل الواحد الذي تعلق به الأمر والنهي.
والجواب عن هذه الشبهة من هذه الوجوه:
الوجه الأول: الله سبحانه وتعالى له الحكمة البالغة.