والمعروف علميًا أن كل الكواكب السيارة والتوابع من الأقمار المواجهة للشمس ينشر خلفها ظلٌ معينٌ حسب حجمها وبعدها عن الشمس، فالأرض تواجه نور الشمس أثناء دورانها فيكون نصفها منيرًا ونصفها الآخر مظلمًا؛ وهو بداية الظل الذي تشكله الأرض، وكذلك القمر يواجه نور الشمس أثناء دورانه حول الأرض فيكون نصفه منيرًا ونصفه الآخر مظلمًا؛ وهو بداية الظل الذي يشكله القمر (١).
قلت: فهذا يوضح أنه ليس فقط دوران الأرض ولا غيرها من الكواكب هو الذي يتسبب في وجود الظل أو في انعدامه.
[الوجه السادس عشر: الظل والظلام، وما بين القرآن والكتاب المقدس.]
فوجه آخر للرد أن هذه الآية تشير إلى الظل الذي كان يغيم على وجه الأرض بعد ما خلقها اللَّه، ولكن الكتاب المقدس يشير بأنه كان ظلامًا وليس بظل.
[أولا: قال ابن عاشور]
١ - الآية توضح حالة عموم الظل جميع وجه الأرض؛ أي: حالة الظلمة الأصلية التي سبقت اتجاه أشعة الشمس إلى وجه الأرض كما أشار إليه قول التوراة: (وكانت الأرض خالية وعلى وجه القمر ظلمة) ثم قال: (وقال اللَّه ليكن نور فكان نور. . .)(وفصل اللَّه بين النور والظلمة)(التكوين ١/ ٤).
فاستدلال القرآن بالظل أجدى من الاستدلال بالظلمة؛ لأن الظلمة عدم لا يكاد يحصل الشعور بجمالها بخلاف الظل فهو جامع بين الظلمة والنور فكِلا دلالتيه واضحة.
٢ - وجملة {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} معترضة للتذكير بأن في الظل منة وقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} عطف على جملة {مَدَّ الظِّلَّ}، وأفادت (ثم) أن مدلول المعطوف بها متراخ في الرتبة عن مدلول المعطوف عليه شأن (ثم) إذا عطفت الجملة. ومعنى تراخي الرتبة أنها أبعد اعتبارًا أي: أنها أرفع في التأثير أو في الوجود، فإن وجود
(١) هذا المقال من موقع صدى المشرق http://www.sadaalmashrek.com