للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قال اللَّه -عز وجل-: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} (الأنعام: ٤٤) فقد قال: فتحنا عليهم أبواب كل شيء، فهل فتح عليهم أبواب التوبة، وأبواب الرحمة، وأبواب الطاعة، وأبواب العافية، وأبواب السعادة، وأبواب النجاة مما نزل بهم؟

وهذه كلها مما أغلق أبوابها عنهم، وهي شيء، وقد قال: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ}، وقد قال أيضًا في بلقيس: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} (النمل: ٢٣)، ولم تؤتَ ملك سليمان، ولم تسخر لها الريح، ولا الشياطين، ولم يكن لها شيء مما في ملك سليمان، فقد قال: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}، وقال في قصص يوسف: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)} (يوسف: ١١١)، وإنما كان ذلك تفصيلًا لكل شيء من قصة يوسف، وقال: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (الأحقاف: ٢٥)، وقال في الريح التي أرسلت على قوم عاد: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} (الأحقاف: ٢٥)، وقد أتت على أشياء لم تدمرها، ألم تسمع إلى قوله: {فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} (الأحقاف: ٢٥) فلم تدمر مساكنهم (١).

فلهذا نقول أيضًا: إننا إن حملنا الآية على هذا المعنى فليس هناك تعارض ولا إشكال في الآية.

[الوجه الرابع: بلاغة الأسلوب القرآني في هذه الآية.]

ومن براعة الأسلوب القرآني: أن كلمة (الماء) جاءت معرفة فهي بذلك تستوعب كل هذه المعاني، قال صاحب الكشاف:

فإن قلت: فما باله معرّفًا في قوله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (الأنبياء: ٣٠)؟

قلت: قصد ثمة معنى آخر؛ وهو أن أجناس الحيوان كلها مخلوقة من هذا الجنس الذي هو جنس الماء، وذلك أنه هو الأصل وإن تخللت بينه وبينها وسائط (٢).


(١) الإبانة الكبرى لابن بطة (٥/ ٤٧٥).
(٢) الكشاف (٣/ ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>